بقلم- محمد الهوارى
قبل أربعة وثلاثون عامًا، تحديدًا فى مساء يوم 22 أكتوبر سنة 1983، استقبلتنى الطبيبة بـ"عود كبريت"، بسبب انقطاع الكهرباء، لتتلقفنى يديها إلى هذا العالم.
قبل ذلك اليوم بثلاثة أشهر أو يزيد، كانت الأم التى تقترب من عقدها الرابع، لا تريد هذا المولود، لا تستطيع القيام بأعمال المنزل، ورعاية أسرة مكونة من أب فى العقد الخامس، وابن (13 سنة)، وابنه (11 سنة)، بالإضافة إلى مراعاة أشغال "بيت العيلة"، و"بيت المسؤول"، الذى لا تنقطع الزيارات عنه لأى سبب على مدار اليوم.
فكرت الأم فى التخلص من الجنين، وعلى طريقة فيلم "الحفيد"، بدأت تزيد من أعمالها المنزلية، وتُقدم على أعمال أكثر "عنفاً"، ثم ذهبت إلى الطبيبة المسيحية التى تتابع حملها، وأخبرتها بأنها لا تريد هذا الحمل أكثر من ذلك.
الطبيبة الأم لثلاث أولاد فى مراحل سنية مختلفة، استطاعت إقناع الأم الُمتعبة بأنها ستعطيها أدوية من شأنها التخلص من الحمل، مع وعد بألا تقدم على أى شئ "عنيف."
وبعد شهور تجد الأم نفسها أمام الأمر الواقع، اكتمل الجنين، وصارت على بعد أيام من الولادة، تذهب إلى الطبيبة تخبرها بأن الأديان السماوية تُحرم ذلك، وأن كل أمر لحكمة، لا يعلمها إلا الله.
تمر الأيام والسنين، وتكبر والدتى، وتصيبها أمراض الزمن، فتجدنى إلى جوارها، صرت مع الوقت "قلب أمى"، وصارت "كل حياتى"، وصار لى والدتان، أمى التى حملتنى وولدتنى، و"ماما جورجيت" كما أحب مناداتها.
أتذكر أننى كنت فى الحادية عشر من عمرى، كنت ألعب كرة القدم، قبل أن أسقط على الأرض، وأصاب فى كتفى، هرعت "ماما جورجيت" بى إلى مستشفى الطوارئ بمدينة المنصورة، أتذكر كيف كانت تصرخ "إبنى مكسور يا ناس"، ولأنها طبيبة معروفة، تلقيت رعاية فائقة ومتميزة، أتذكر الدهشة على وجه الطبيب عندما سألنى "اسمك إيه يا حبيبى"، وأنا أخبره "محمد الهوارى" يا دكتور.
رغم هجرتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، منذ سنوات عديدة، لا تزال أول تهنئة بعيد ميلادى تأتينى منها، تحدثى من الولايات المتحدة رغم فروق التوقيت.
لا تزال "ماما جورجيت" تحرص على مقابلتى فى كل مرة يتسنى لها المجئ إلى مصر، تحرص على مهاداتى، ونتواصل سوياً عبر وسائل التواصل الاجتماعى.
فى اليوم العالمي للمرأة، وقبل أيام من عيد الأم، أدعو الله أن يمتع أمى بالصحة والعافية، وأن يبارك لى فى "ماما جورجيت"، وكل أمهاتى الفضليات، اللائى كان لهن الفضل الكبير فى تكوين شخصيتى، ولكى أصبح ما أنا عليه اليوم.
احمدوا الله على نعمة الأم، ليست الأم من حملت وولدت وربت فقط، بل من علمتك التسامح، وعلمتك فى مدرستك، وعلمتك الرسم، واللعب، والتلوين، وعلمتك حب الخير، وفضائل الحياة، تذكر أنهن تعبن من أجل رسم ابتسامة على شفتيك، لو كنت مكانك لشعرت بتأنيب الضمير والحياء كلما فكرت فى الحزن أو اليأس أو الاكتئاب، لا تنسوا فضلهن.
شكرًا أمى، شكرًا "ماما جورجيت".
ابنكما محمد الهوارى