في كل عيد أضحى، تتجدد عدة نقاشات ينقسم حولها المؤيدون والمعارضون لتناول اللحوم من عدمها، ولهؤلاء وهؤلاء أسباب ومبررات، من أهمها طرق ذبح الأضاحي، خاصة في الشوارع، ما يرفضه بشكل بارز «النباتيون»، المقاطعون للحوم بأنواعها لأسباب مختلفة.
يتجدد رفض النباتيون لتناول اللحوم عند بروز بعض طرق الذبح المؤذية للحيوان والإنسان في آن واحد، مع تعرّض البعض منهم لضغط مستمر للمشاركة في حلقات أكل «الضاني والفتة» كطقس اجتماعي في أجواء عائلية معتادة، وهم من قاطعوا هذه الأنواع من الطعام منذ فترات زمنية مختلفة بقناعات راسخة.
منذ أيام انتشر فيديو على صفحات السوشيال ميديا، يرصد عِجلًا في مدينة دمنهور، فارًّا من أصحابه ويهرع إلى الشوارع، مُحدِثًا إصابات بالغة لأشخاص من بينهم أطفال، لاقى الفيديو ردود أفعال بالغة الغضب نحو التعامل مع الحيوانات إبان موسم الذبح، إلى الحد الذي تصبح فيه مؤذية للمارة، ما جعل المعارضون لأكل اللحوم يجددون دعواتهم برفض التعامل مع الحيوانات بطرق غير آمنة.
بينما رأى آخرون عدم ضرورة ذبحها من الأساس، فيما نادى غير النباتيين بضرورة تقنين طرق التعامل مع الحيوانات خاصة في موسم الأضحية، لكونها يتسرب إليها الإحساس بالخوف من الذبح والهلع منه، وتلجأ للهرب وإيذاء المارّة.
ثمة مواقف أخرى-بعضها مضحكة-تحدث مع النباتيين حول مقاطعتهم للحوم، في دوائر اجتماعية معتادة على اللحوم خاصة الأضحية.
ففي صباح يوم العيد، عزمت زوجة بواب العمارة على «ندى»، 27 عامًا، طبيبة أسنان، ومقيمة معها بالعمارة، على طبق من الأرز وآخر من الحساء باللحم، لترد الأخيرة العزومة بالشكر والاعتذار لكونها لا تأكل اللحوم، ليأتي رد زوجة البواب «ليه يا بنتي هو أنتِ عيانة؟!».
لم تتذمر «ندى» من الأمر، وتتفهم عدم قبول أو فهم الآخرين لقرارها بمقاطعة اللحوم، لكنها مع الوقت اكتسبت مساحة تسمح لها باحترام الآخرين لتفضيلاتها، وقابلت أشخاصًا أبدوا لها رغبتهم في تكرار تجربتها لكنهم لم يقبلوا على تلك الخطوة بعد.
تهتم «ندى» بتطبيق نظامها الغذائي على نفسها دون الاهتمام بنشر الفكرة لدى الآخرين، لكنها تضطر للطبخ بمفردها حينما تعود لمنزل العائلة، حتى توفر جهدًا من محاولات الضغط عليها لمشاركتهم في موائد اللحوم، فبحسب عادات البيوت، اللحوم هي نصيب الفرد من الميراث الأسبوعي غير المكتوب، ومن لا يتناولها كأنه فوّت ميراثه الاجتماعي داخل الأسرة.
ربما من هنا أيضًا تأتي معاناة هبة عثمان، طالبة في كلية الفنون الجميلة، وتواجه نفس الضغوط أو العروض التي لا تنتهي عند الذهاب إلى بيت والدتها.
هبة عثمان
توقفت «هبة» عن تناول اللحوم منذ 2012، عدا الأسماك لكنها لم تشفع لها عند الآخرين الذين يعرضون عليها من آن لآخر أن تتخلى عن مقاطعتها للحوم الأخرى، خاصة في الأعياد، والتجمعات العائلية، ودوائر الأصدقاء، الذين يضغطون عليها في شكل دُعابات تدعوها للعدول عن قرارها.
تضطر والدة «هبة» للنزول إلى رغبتها بإعداد أصناف نباتية على المائدة كالجلاش بالجبنة، وتعتقد أن حصارها في صنف أو اثنين مقابل عدد كبير من الأصناف الأخرى باللحم هو عقاب مُبطّن للرجوع عن قرارها، مع ذلك تظل الابنة صامدة منذ أكثر من 6 سنوات.
مقاطعة اللحوم بالنسبة للدوائر الاجتماعية هي فكرة مثيرة للسخرية في أحيان كثيرة، بل ومثيرة للضغط بنقاشات دينية مختلفة.
منذ قرابة عام، صادفت نيرة فوزي، 27 عامًا، خبرًا حول تكفير النباتيين، وأنهم فئات تُحرم على نفسها ما حلّله الله لها، فأزعجها فكرة عدم حق اختيار الشخص لتفضيلات بعينها، وتدخُّل الآخرين فيها، وإصدار أحكام في صورة ترهيب أو ترغيب للتراجع عن فكرة مقاطعة اللحوم خاصة في الموائد العائلية التي تعتقد أن كثرتها على المائدة دليل الكرم.
وحينما قررت هند أبو الوفا، مصورة، الكف عن تناول اللحوم، منذ عامين، لاقت ردود أفعال ساخرة، لكنها كانت تجد صعوبة في مواجهة الضغوط التي تقع عليها لتغيير قرارها.
هند أو الوفا
وقعت «هند» في حيرة داخلية بين قناعتها الشخصية بقرارها وكيفية إقناع الآخرين بالكف عن السخرية منها، ما جعلها تلجأ لاستخدم أسلوبًا حادًا بعض الشيء لمواجهة الساخرين من خارج أسرتها، التي ترغب في أن يتناول كل الأعضاء اللحوم سويًا كطقس معتاد، لكن إبدائها الرفض عادة ما يكون كفيلًا بإنهاء الأمر.
لانتشار فكرة «الفيجيتريان» أو الاعتماد الكلي على الطعام النباتي، تأثير على المحيطين بأن هؤلاء قد اتخذوا قرارهم، ولا رجعة فيه إلا برغبتهم، لكن هل سـتقلِّ محاولات الضغط أو السخرية على النباتيين؟ أو حتى ممن يتناولون الأسماك فقط؟ هل النقاشات الدينية يمكن أن تحسم قرارات شخصية وتفضيلات خاصة للأشخاص نحو طعامهم؟ هل هذه النقاط وأكثر تضع النباتيين في مأزق كل عام في موسم اللحوم، وتجدد مظاهر السخرية تجاههم؟