ما أن تطأ قدماك أحد البيوت النوبية، ترى عيناك لوحة فنية جذابة تتناسق ألوانها بشكل مبهج، فتُبث بداخلك نوعًا من البهجة لما تحويه من تناسق بُنيانها وزخرفة جدرانها بالرسوم المختلفة والألوان الزاهية، التي تخطف الأبصار من الوهلة الأولى.
تُبنى البيوت النوبية من الطين والجريد، وهو ما يميزها عن غيرها، كما روى لنا الحاج عبد الهادي محمد أحمد، أحد أبناء النوبة، صاحب الـ90 عامًا، فكرة بناء هذه البيوت، قائلًا: "إحنا أخدناها من الفراعنة عشان كان عندهم بُعد نظر، البيوت دي مفيهاش أمراض، لأن الأدوات اللي كانوا بيستخدموها كانت من الطين، ودي مادة طبيعية مفيهاش ضرر".
وتابع السرد: "إحنا بنجمع الطين من عند المستشفى القديمة للحميات؛ عشان طين طمي بتاع زمان ونخلط معاه عصب زرع القمح بعد ما نطحنه كويس ونسيبهم يتخمروا لمدة 20 يومًا أو شهر، وبعد كده بنعمل منه القوالب".
وأكمل الحكي: "لما بنبني البيت بنرص الطوب بطريقة معينة بحيث لو نزل مطر ميأثرش عليه، ونحط جريد النخيل قبل وضع الطوب الطينية في عمل القُبب، البيت النوبي بيبقى من دور واحد بس".
وعن سبب تفضيل النوبيين للبيوت الطينية حتى بعد التطور المعماري أوضح، أنها مُهيئة لتتناسب مع المناخ العام، فهي لا تتأثر بالحرارة في الصيف، وتقيهم برودة الشتاء، دون التأثر بالأمطار؛ بسبب القباب الخاصة بكل منزل، نظرًا أنها مجوفة من الداخل ومرتفعة وتوزع درجة الحرارة.
وفي داخل كل منزل هناك فتحات للتهوية في الأعلى، وعندما يأتي الشتاء يقومون بغلق تلك الفتحات لمنع دخول الهواء، وهو ما جعلهم لا يحتاجون إلى أجهزة مكيفة بتلك المنازل.
قديمًا كانوا لا يستخدموا الثلاجات وكانوا يضعون الخضار والفاكهة الخاصة بهم في مُعلاق يصنعونها من أعصاب النخيل، ويظل لمدة طويلة ناضج وصحي.
البيت النوبي بسيط في تصميمه وغير مكلف بالمرة، وواسع ومريح وله بهجة خاصة، ويعتبر أفضل من المساكن والبنايات الحديثة؛ لأنه يخلو من الأمراض، ويؤكد على ذلك الحاج عبد الهادي قائلًا: "إحنا جالنا الأمراض هنا لما جينا وسيبنا بيوتنا في الجزيرة".
والآن أُجري بعض التعديلات في بناء هذه المساكن، فيستخدمون أحيانًا الحجر الجيري والطوب الأحمر مع الطين.
المراكب الشراعية والنيل والشمس والنخيل، أبرز الرسومات التي تزين البيوت النوبية، فدائمًا ما يكون النوبي محبًا لعاداته وتقاليده، محافظًا على أصوله، وحريصًا على توريثها لأولاده وأحفاده.