كتابة وتصوير: أحلام المنسي
منذ 15 عامًا لاحظت شيماء تأخر قدرات ابنها العقلية والحركية خلال شهوره الأولي، وكأي أم ذهبت به للعديد من الأطباء، فجاءت ردودهم جميعا واحدة: "ابنك كويس، متستعجليش عليه"، لكن تلك لم تكن حقيقة حالته.
حتى أصبح ابنها علاء في عمر السنتين كانت تمارس شيماء عملها كممرضة في مستشفى عام بمحافظة بورسعيد، لكن صدفة قادت إلى طريقها طبيبا جديدا التقى بابنها علاء، وكان هو أول طبيب يخبرها: "لازم تكشفي لابنك في مستشفى أبو الريش بالقاهرة"، فأسرعت بالسفر في اليوم التالي، عندها أخبرتها الطبيبة في أبو الريش بضرورة إجراء "تحليل أمراض التمثيل الغذائي"FullMetabolic Screening".
كانت تلك أول مرة تسمع فيها شيماء بهذا المرض، رغم عملها بالتمريض لأكثر من 5 سنوات وقتها، وعرفت أن تلك الأمراض هي أمراض وراثية تحدث نتيجة خلل في الإنزيمات التي ينتجها المخ لتحويل العناصر الغذائية إلى طاقة ومواد بنائية لازمة للنمو العقلي والبدني والحركي، فينتج عن ذلك مضاعفات، كثيرا ما تصل إلى التأخر العقلي أو الوفاة، في حين أن التمثيل الغذائي الطبيعي تتحول من خلاله العناصر الغذائية بسلاسة لتحقيق أقصى استفادة للإنسان.
إنفوجراف: أحلام المنسي
في حالة ذعرأسرعت شيماء بإجراء التحليل الذي طلبته الطبيبة وأرسلته لمعمل تحاليل في السعودية، تقول شيماء: "وقتها التحليل مكنش بيتعمل في مصر، الدكتورة إدتني العنوان إللى هبعت عليه عينة التحليل للسعودية، وأطلب النتيجة تروح على مستشفى أبو الريش"، بعد حوالي أسبوع ظهرت النتيجة، وتأكدت شيماء من مرض ابنها بـ"الفينيل كيتون يوريا"phenylketonuria " المعروف اختصارا بمرض "PKU"، وهو أحد أمراض التمثيل الغذائي.
تقول دكتورة منى الخضري طبيبة بمركز الإرشاد الوراثي المسئول عن تقديم العلاج لمرضى الأمراض الوراثية، بمحافظة بورسعيد إن في هذا المرض يوجد خلل في الإنزيم المسئول عن تحويل حمض الفينيل آلانين- وحدة بنائية للبروتينات بنوعيها النباتي والحيواني- إلى مواد أبسط يستفيد منها الجسم، مما يؤدي إلى تراكم ذلك الفينيل آلانين بالمخ مسببا مضاعفات للطفل، تبدأ بإكتئاب وتشنجات، وإصفرار في الشعر والرموش، بالإضافة إلى رائحة كريهة في التنفس والجلد والبول، وفرط الحركة، والمشاكل السلوكية والاجتماعية، وتصل المضاعفات حتى تدمير خلايا المخ مسببة الوفاة في حالة لم يتم العلاج، وللمرض 3 درجات تتدرج معها مستويات خطورته.
تفاجأت شيماء بأن زواجها من ابن عمة والدها وراء إصابة ابنها بتأخر عقلي ناتج عن الفينيل كيتون يوريا بحوالي 30%، رغم انجابها لابنة كبرى لا تعاني منه، لتدرك أن حملها هي وزوجها للجين بصورة متنحية هو ما جعل ابنها مصاب، فهذا الخلل وراثي يحدث نتيجة طفرة جينية، والجين هو الوحدة الأساسية للوراثة في الكائن الحي، ونحصل عليها بالوراثة من الأم والأب، نرث من خلالها صفاتنا الجسدية واحتمالية إصابتنا بأمراض أو اضطرابات معينة من آبائنا.
يقول دكتور السيد عبد الكريم طبيب أطفال بمستشفى سوهاج الجامعي إن المرض ينتشر أكثر في حالات زواج الأقارب، فهناك نوعين من الجينات: سائدة ومتنحية، الجين السائد يحمل صففة سائدة أي يحمل صفة قوية تمنع ظهور صفة أخرى، أما الجين المتنحي فيحمل صفة متنحية أي صفة أضعف في الظهور، ولكن الجين المتنحي إذا اجتمع مع متنحي آخر فإنه يظهر، فإذا كام الأب غير مريض ولكن يحمل جين المرض، والأم طبيعية لكن تحمل جين المرض، في حالة زواجهما، تكون نسبة إصابة كل ابن من ابنائهم بالمرض هي 25%.
إنفوجراف: أحلام المنسي
ولأن هذه الأمراض وراثية يشير دكتور السيد عبد الكريم إلى ضرورة الاطمئنان على باقي أفراد الأسرة في حالة ظهور المرض بتحليل أحدهم، حتى في حالة عدم ظهور أعراض مرضية عليهم، فالمرض ربما يكون كامنا في الجينات دون أن نشعر، وقد ينشط في أي سن وليس في حديثي الولادة فقط، فربما يظهر في الطفولة أو الشباب أو فيما يلي ذلك حتى سن الأربعين في حالة تحفيزه نتيجة نزلة معوية أو إلتهاب رئوي حاد، موضحا أن زواج الأقارب يزيد من احتمالية الإصابة بالأمراض الوراثية، لكن أيضا زواجك من غير أقاربك لا يعني تفادي إصابة أولادك بالمرض، ففي حالة حملك للجين بصورة متنحية أنت والطرف الآخر، فالإصابة واردة بنسبة 25% أيضا.
اطمأنت شيماء على ابنتها الكبرى وتأكدت من عدم حملها للجين، تقول:"أول ما اكتشفت مرض ابني، والتأخر الناتج عنه انهرت تماما، ومصدقتش، وخوفت على بنتي الكبيرة، وقررت اطمن عليها، لكن جوزي طلب إني أخلف تاني"، فهي ترى أن زوجها مازال متمسكا بفكرة ضرورة إنجاب "الولد"، وبالفعل اتخذت قرار الإنجاب مرة أخرى منذ 6 سنوات، وجاءت الطفلة بخير، بعدها جدد زوجها أمنيته بإنجاب الولد، لكنها تريد الحفاظ على درجة اهتمامها بعلاء.
بعد عدة شهور من معرفتها بمرض ابنها علاء قررت شيماء أن تقبل المرض، وتساعد ابنها رغم كل شئ في رحلة تصفها بالصعبة، لكن ساعدتها في أولها أم أخرى التقتها صدفة في مستشفى أبو الريش منذ 15 عاما، موضحة :" الأم دي كانت سبقاني في رحلة علاج ابنها بحوالي 5 سنين، هي إللي شجعتني وساعدتني، فاعتبرنا محنة المرض والإصابة الناتجة عنه أمانة لازم نراعيها"، واليوم وبعد أن أصبح عمر ابنها علاء 17 عاما تشعر بالفخر بابنها، فرغم هذا التأخر لكنه تمكن الآن من تحمل مسئولية القيام بالعديد من الأمور بمفرده:" علاء بيقدر يعمل مشاوير لوحده، وبيروح المدرسة، هو في 6 ابتدائي حاليا، وصحيح هو متأخر دراسيا لكن اندماجه وسط الناس بيساعده يكون أحسن، ويكون اجتماعي".
صورة لـ "علاء" مع أحد جيرانه
يختلف النظام الغذائي لهذا المرض عن أي نظام غذائي لمرض آخر فهو يحتاج لعملية حسابية دقيقة، حيث أن حمض الفينيل آلانين الممنوع بالنسبة لمرضاه يعتبر من مكونات العديد من الأطعمة المهمة لجسم الإنسان، ويتواجد في البروتين بنوعيه نباتي وحيواني، تقول دكتورة ولاء فرح إخصائي بمستشفى النصر للأطفال ببورسعيد، إن هذا الحمض يجب منحه بقدر معين للمريض منذ ولادته، ورغم أن لبن الأم يحوي أقل نسبة من الحمض مقارنة بباقي الألبان، لكن أحيانا يحتاج المريض إلى رضعتين فقط منه في اليوم، وأن يبدأ في تناول لبن الـ "بي كيو" المخصص لتعويض الطفل عن البروتينات التي لا يمكنه الحصول عليها.
ترى شيماء أن أصعب جانب في التعامل مع مرض "الفينيل كيتون يوريا - الـ بي كيو"، هو النظام الغذائي خاصة من الناحية النفسية، تقول:"وهو صغير كان بيقعد يسألني ليه يا ماما أكلي مش زي أخواتي، أنتوا بتاكلوا حاجات أنا معرفش طعمها إيه"، وتواصل كنت أشعر بالحزن الشديد عند سماع ذلك، واستغرق مني الأمر تدريبا كثيفا لاكتشف طريقة تعامل نفسية تراعي مشاعر ابني، فكنت ومازلت أشرح له بطريقة مبسطة أن كل منا قد يوجد طعاما ما يتعبه، وأن هذه الأطعمة ستسبب له مشكلة، وحبي لابني دفعني لابتكار أطعمة جديدة له من نفس المكونات المحدودة المسموحة، متخيلة أني في تحدي مع المرض، وسأرسم الابتسامة على وجه ابني مثل ابنتي الاثنتين، ليشعر أنه ككل الأطفال:" كل الأطفال وحتى الكبار بيقولوا لمامتهم إحنا زهقنا من نفس الأكل، فمن حقه عليا أعمله أكل يحبه ويحافظ على صحته"، لأن عدم الالتزام بالأطعمة المسموحة يؤدي لمضاعفات نفسية وبدنية وعقلية، نتيجة لتراكم الحمض على المخ.
حتى أصبح علاء في عمر 12 عاما كانت شيماء تعمل كممرضة في مشفى عام بالمحافظة، لكن من خلال تعامل الأطباء معها ومعرفتهم بحالة ابنها، والنتائج التي حققتها معه سواء على المستوى الصحي أو النفسي، جعلتهم يرشحوا اسمها لوزارة الصحة لتعمل بمركز الإرشاد الوراثي بمحافظة بورسعيد منذ 5 سنوات، فالمركز مسؤول عن حالات الأمراض الوراثية ومن ضمنها أمراض التمثيل الغذائي، ويخدم المرضى من محافظات القناة وسيناء والدقهلية ودمياط.
شاهد بالفيديو.. تتحدث شيماء عن كيفية النظام الغذائي للمرض، وأهمية استخدام العمليات الحسابية به
لا تقتصر علاقة شيماء بأمهات الأطفال على التعامل بالمركز، ولكن تمتد إلى تكوينهم لجروب على الـ"واتساب" باسم "أولادي حياتي"، يتشاركن من خلاله محاولاتهن للابتكار في الطعام، تقول شيماء:"كل واحدة فينا بتخترع أكلة ولو طلعت حلوة بتكتبها على الجروب عشان الباقيين يجربوها، بس أهم حاجة تكون مناسبة لتحليل ابنها، مش أي أكلة هتنفع"، على سبيل المثال يستبدلن الدقيق بنوع مخصص من النشا، ويستبدلن البيض بـ"جيل بذر الكتان"، لصنع المخبوزات، موضحة أن الأمهات في بداية معرفتهن بمرض ابنائهن يشعرن بالإحباط الشديد وصعوبة الالتزام بالنظام الغذائي، لكنهم في المركز يبذلون جهدا لتوضيح أن الالتزام باللبن المخصص والنظام الغذائي هو الذي سيقي أطفالهن الإصابة بمشاكل عقلية وبدنية، ويحافظ على صحتهم ككل الأطفال في أعمارهم، ليصبح الفرق الوحيد هو الطعام.
صورة لـ "حلة" صنع الخبز الذي تعده شيماء لابنها خصيصا
تتعدد أنواع أمراض التمثيل الغذائي لتصل إلى 500 نوعا وفقا لورقة بحثية نشرها المركز الأمريكي للتكنولوجيا الحيوية، وكأي مرض آخر فإن الاكتشاف هو الخطوة الأولى للعلاج، ويوضح دكتور السيد عبد الكريم آليات اكتشاف المرض قائلا إن هذا يجب أن يتم من خلال إجراء تحليل دم "التحليل الشامل لأمراض التمثيل الغذائي Full Metabolic Screening" لكل الأطفال حديثي الولادة للكشف عن سلسلة الأمراض هذه، وهو ما بدأ تطبيقه بالمجان منذ حوالي 5 سنوات ل حديثي الولادة في مصر فيما يعرف بتحليل "كعب الرجل"، ويتم الكشف من خلاله عن إصابة الطفل بالغدة الدرقية ومرض الـ"فينيل كيتون يوريا"، وتسحب العينة من "كعب الرجل" لأنها الطريقة الأنسب لحديثي الولادة من حيث السهولة والأمان، ويكون مجاني خلال 7 أيام من الولادة، ويقتصر التحليل على هذا النوع من أمراض التمثيل الغذائي نظرا لارتفاع تكلفة التحليل الشامل لها حيث تبلغ تكلفة التحليل حوالي 295 دولارا وهو ما يعادل حوالي 5000 جنيها مصريا، أما الوسيلة الثانية فتكمن في رفع وعي الأطباء تجاه الأعراض الغير مفسرة التي تصيب الأطفال حديثي الولادة، فتجعلهم غير مستجيبين للعلاجات في حالات قد تبدو عادية مثل النزلة المعوية، وارتفاع درجة الحرارة، فكلها علامات يجب أن تدفع الطبيب للشك في إصابة الطفل بنوع من أمراض التمثيل الغذائي.
يضيف دكتور السيد عبد الكريم إلى "مصر الناس" أن خطورة هذا المرض تكمن في صعوبة وتأخر تشخيص أعراضه لتشابهها مع العديد من الأمراض، كما أن المضاعفات الناتجة عنه إذا حدثت فإنه يصعب علاجها، فعلى سبيل المثال إذا حدث تأخر عقلي لن نتمكن من علاجه عند الاكتشاف المتأخر، لذا يجب إجراء التحليل الشامل قبل ظهور أي مضاعفات.
خلال الخمس سنوات الماضية أصبح علاء عضوا أساسيا بمركز الإرشاد الوراثي ببورسعيد، فمن خلاله عرف أكثر من طبيب بالمرض، كما أنه أول حالة لمرض الـ (بي كيو) يتم تسجيلها بالمكان، وأصبحت العلاقة بينهم أقرب للصداقة من كونها علاقة أطباء ومريض، تقول الطبيبة منى الخضري طبيب أطفال بالمركز:" وقت ما اتعرفت على شيماء وابنها من حوالي 10 سنين، كنت لسه دكتورة امتياز وبسمع عن المرض لأول مرة وإزاي التحليل هو الوسيلة الأولى عشان نكتشفه، فقررت دراسته والتخصص فيه"، مضيفة أن أهمية هذا المرض تأتي من قدرتنا على الاكتشاف المبكر وأننا أصبحنا قادرين على توفير وسائل للتعايش معه، كما يعد مرض الفينيل كيتون يوريا الأكثر انتشارا في مصر من سلسة الأمراض هذه وفقا لدراسة أجرتها كلية الطب جامعة القاهرة عام 2016، وبسؤال الأطباء عن سبب انتشاره قالوا أن الدراسات في ذلك مازالت محدودة، والتفسير الوحيد حتى الآن يرجع إلى كون المرض طفرة جينية، ولأنه الأكثر انتشارا وفرت وزارة الصحة تحليله واللبن المخصص للمرضى بشكل مجاني في مراكز الإرشاد الوراثي، لكن ماذا عن من يواجهون صعوبة السفر من محافظاتهم إلى محافظات أخرى للحصول على العلاج؟
تجد أم إبراهيم -اسم مستعار- صعوبة بالغة في السفر من محافظة شمال سيناء إلى بورسعيد بشكل شهري للحصول على اللبن العلاجي لأولادها الثلاث المصابون بالمرض، وهو ما أدى إلى تدهور حالتهم نتيجة لتراكم حمض الفينيل آلانين على المخ مؤثرا على الحالة النفسية والسلوكية مسببا في النهاية إصابتهم بالتوحد -وفقا للدكتورة "منى الخضري" طبيبة بمركز الإرشاد الوراثي ببورسعيد-، رغم ذلك لم تفقد الأمل في متابعة حالتهم الصحية قدر استطاعتها، متمنية توافر مركز علاجي بالقرب منها.
أما فيما يخص إجراء التحليل ذاته، فتؤكد الدكتورة "سارة رشدي" نائب مدير مركز الإرشاد الوراثي بمحافظة بورسعيد أن سحب عينات الدم أصبح يتم في المراكز الطبية المختلفة في جميع المحافظات إلا أن تلك التحاليل يتم إرسالها إلى مجمع المعامل المركزية بالقاهرة خصيصا للحصول على النتائج، وهو ما يستدعي إجراء تحليل الدم سواء لأول مرة أو التحليل الدوري النصف شهري بطريقة الدم المجفف Dried blood، لأن تلك الطريقة هي الأنسب لنقل التحاليل إلى معامل في أماكن بعيدة لاحتفاظ الدم فيها بخواصه، ويستغرق ظهور النتيجة حوالي أسبوع.
إنفوجراف: أحلام المنسي
في قرية صغيرة بصعيد مصر، لم تتخيل أم سارة -اسم مستعار- أن مجرد نزلة معوية أصابت ابنتها في عمر السنة والنصف ستودي بحياتها، فقد ولدت طفلة عادية بتحاليل سليمة ولا تنذر بأي أمراض خطيرة، حتى أصيبت بنزلة معوية تبعها هبوط حاد في الدورة الدموية، و سخونة شديدة بالدم ثم فقدان للوعي، بعدها تم نقلها إلى مستشفى سوهاج الجامعي، وبعد إجراء الإسعافات الأولية ووضعها بالعناية المركزة استمرت حالتها بالتدهور دون أي استجابة للعلاجات المختلفة، عندها ساور الشك طبيبها الدكتور السيد عبد الكريم في احتمالية إصابتها بمرض من أمراض التمثيل الغذائي، فقرر هو وفريقه من الأطباء إجراء تحليل دم شامل لسارة بعدد حوالي 35 مرض من أنواعه الأكثر انتشارا، ولأن "سوهاج" كباقي أقاليم مصر لا يوجد بها مركز لتحليل النتائج، أرسلت العينة للقاهرة، ونتيجة للضغط على المعمل استغرقت النتائج أسبوعا حتى ظهرت لتوضح إصابة سارة بمرض "جولتاريك أسيدوريا" النوع الأول، وهوأحد أمراض التمثيل الغذائي، ولكن سارة كانت قد توفيت قبل ذلك بيومين.
ورغم عدم ظهور أعراض مرضية مشابهة على أخيها الرضيع كريم -اسم مستعار- ، إلا أن الفريق الطبي أراد التأكد من عدم إصابته بالمرض، فتم إجراء تحليل شامل للدم لكن هذا التحليل لم يعطي نتيجة قاطعة، ولمزيد من اليقين، تواصل دكتور السيد عبد الكريم مع جامعة (جيفو اليابانية)، التي كان يعمل كباحث بها لمدة سنتين في مجال الأمراض الجينية، وتم عمل بروتكول تعاون بين جامعة سوهاج والجامعة اليابانية لإجراء تحليل جيني بالمجان لكريم لأن تكلفته تصل إلى حوالي(1110 دولارا) وهو ما يعادل حوالي (20 ألف جنيها مصريا)، وهي تكلفة لم يستطع الأهل تحملها، مشيرا إلى أن أحيانا قد يرى الأطباء أن تحليل الدم الكيميائي غير كافي للتأكد من وجود المرض، لأنه يفتش عن نسب المواد الكيميائية بالدم، أما التحليل الجيني فيعتمد على تحليل التفاصيل الجينية والوراثية للإنسان.
يبدو أن وفاة سارة كانت السبب في إنقاذ أخيها الرضيع، الذي أكد التحليل الوراثي إصابته بنفس المرض، يقول طبيبه الدكتور سيد:"المرض ده زي باقي أمراض التمثيل الغذائي خطير جدا عند ظهور المضاعفات، لكن لو اكتشفناه مبكرا، هيكون سهل نساعد المريض يتفادى خطورته التي قد تصل للوفاة"، وتعتمد خطة الأطباء لمساعدة كريم على التعايش مع المرض على حمض الفوليك، وفيتامين ب، ولبن مخصص، ونظام غذائي يحدده الأطباء، كعلاج وقائي يستمر عليه مدى الحياة لتجنب المشاكل والمضاعفات، حالة سارة وكريم شجعت دكتور السيد عبد الكريم على إجراء دراسة عن هذا المرض الوراثي وهي الآن قيد البحث.
شاهد بالفيديو.. دكتور السيد عبد الكريم يتحدث عن تعداد الأطفال المصابون بالمرض سنويا، وطريقة سحب عينات كعب الرجل.
يقول دكتور السيد عبد الكريم، إن مريض التمثيل الغذائي يمكنه الزواج طالما أنه اكتشف المرض مبكرا، وقبل حصول مضاعفات تؤثر على القدرات العقلية، أما أطفاله فمدى إصابتهم بالمرض من عدمه يتوقف على الطرف الآخر موضحا: "لوالطرف الآخر، غير مريض ولكن حامل للجين فإن ابنائهم سيصابوا بالمرض، لكن لو جين المرض مش موجود عن الطرف الآخر ابنائهم هيكونوا أصحاء".
وللوقاية من الإصابة بالمرض أجمع الأطباء الذين ألتقى بهم "مصر الناس" أن الالتزام بإجراء فحوصات ما قبل الزواج، وعدم اقتصار المقبلين على تلك الخطوة على استخراج شهادتها "بشكل صوري" وضرورة الإجراء الفعلي للتحاليل، هو الخطوة الأولى للوقاية من الأمراض الوراثية، ومنها أمراض التمثيل الغذائي، وإجراء التحليل للأم الحامل خلال الأسبوع العاشر وحتى الأسبوع الثالث عشر يساعد على الوقاية المبكرة من مضاعفات المرض، بالإضافة إلى سعي الآباء والأمهات على إجراء التحليل الشامل لأمراض التمثيل الغذائي Full Metabolic Screening، في حالة مقدرتهم ماديا على ذلك.
في نهاية حديثها لـ "مصر الناس" تقول شيماء:" من 15 سنة مكنتش الناس عارفة مرض الـ"PKU"، ولا تحليله كان متوافر، بس دلوقتي الموضوع اتطور لدرجة إن تحليله وعلاجه بقى بالمجان، ونقدر باهتمام وصبر نتعايش معاه، اتمنى في يوم يزيد وعي الناس عن كل أنواع أمراض التمثيل الغذائي وعن أهمية التحليل الشامل ليها،عشان نقدر نساعد أطفال أكتر".
هذا التقرير نشر كجزء من مشاركة الكاتبة فى ورشة الصحافة العلمية "الكتابة فى المجال العلمى" تحت عنوان "العلم حكاية" والتى نظمها معهد جوته والهيئة الألمانية للتبادل الثقافى DAAD مصر، وهى الورشة المدعومة من وزارة الخارجية الألمانية.
المصادر:
1. دكتورة فايزة حسن، دراسة عن أمراض التمثيل الغذائي الوراثية التي يمكن كشفها لدى الأطفال حديثي الولادة في مصر،جامعة القاهرة، كلية الطب، يناير 2016.
2. عبد الله طيباني، مقالة التمثيل الغذائي السريري، مكتبة الولايات المتحدة الوطنية للطب، يوليو 2017.
3. مكتبة الولايات المتحدة الوطنية للطب، التمثيل الغذائي،
4. مجلة ناتشر Nature، التمثيل الغذائي
5. مايو كلنيك، الاضطرابات الأيضية الموروثة
6. مايو كلنيك، الفينيل كيتون يوريا