تصوير-سمر بهنساوي
تسير بشارع المعز لدين الله الفاطمي بالقاهرة، وتلامس أقدامك تلك الحجارة المصطفة على الطرقات لتعيدك إلى عصر الفاطميين، تلك الطرقات العذبة العريقة الملامسة للروح الشرقية المتأصلة في المباني المصنوعة من الأحجار الكبيرة، والمتاجر المتراصة على جانبي الشارع، وبالتحديد بحارة النحاسين تجد الباعة يتفننون في عرض بضائعهم النحاسية.
إذا أتيت من بوابة الفتوح فعلى يسارك يبهر عينيك ذلك المسجد صغير الحجم بتلك الزخارف المنحوتة ببراعة، وتلاحظ تلك الدائرة في منتصف الجامع محفور بداخلها اسم رسول الله "محمد" والإمام "عليّ"، متصلة بخطوط وكأنها أشعة الشمس المضيئة، ويرمز ذلك إلى قول الله تعالى: "جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا"، وترى ذلك الباب بنيّ اللون مليء بالزخارف، محاط بحنيتين مزخرفتين، وعتبة من الجرانيت في مدخله.
صورة أرشيفية
بُني جامع الآمر بأحكام الله عام 519 هجريًا - 1125 ميلاديًا، على يد الوزير المأمون بن البطائحي تنفيذًا لأمر الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله أبي علي المنصور، وأهمل لفترات طويلة في عهد صلاح الدين الأيوبي، وافتتح مرة أخرى مع انتهاء عهده وبداية عهد حكم المماليك.
من أول وهلة وعندما تقع عيناك على الواجهة، تدرك مدى تميز مسجد الأقمر، تلاحظ تلك النقوش والكتابات وأسماء منشئيه ذات الخط الكوفي، كما أن زخارفه نُحتت على أحجاره في شكل صدف ومقرنصات، وبالرغم من كونه واحدًا من المساجد المعلقة إلا أنه أصبح في مستوى منخفض لارتفاع سطح الأرض.
ما أن تدلف إلى المسجد تجد روحك وكأنها تطوف به، ترحب بك تلك الأعمدة الرخامية، وترى ذلك الصحن الأقرب للمستطيل متوازي الأضلاع بدلًا من المربع كالمعتاد في المساجد، ويحتوي على أربعة أروقة أكبرها رواق القبلة، وعلى الرغم من صغر مساحته؛ إلا أن براعة عمارته الإسلامية تظهر بتجلي في الدلايات، والنقوش الخطية، والنباتيه المحفورة على الأحجار.
تخطيطه الهندسي من الخارج على شكل مستطيل غير متوازي الأضلاع، ويرجع ذلك لوقوعه على ناصية شارعين في ركن ضيق وحاد، وصمم بهذا الشكل بحيلة هندسية بارعة؛ حتى يناسب اتجاه الشارع المطل عليه.
على عكس معظم الجوامع المصرية المعروفة بالميل في صفوف المصلين، ويرجع ذلك لسبب موقع مصر الجغرافي بالنسبة لاتجاه القبلة، إلا أن مسجد الآمر بأحكام الله يتصف بالاستقامة والتوازي مع اتجاه المسجد من الداخل.
فوق المحراب ستجد لوحة كتب عليها؛ بسم الله الرحمن الرحيم "فَانظُرْ إلى آثَارِ رحمة اللَّهِ كَيْفَ يُحْييِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" أمر بعمل المنبر والمنارة وغيره بعد اندراسه في أيام مولانا الملك الظاهر أبو سعيد برقوق حرس الله نعمته العبد الفقير إلى الله تعالى أبو المعالي عبد الله يلبغا السالمي الحنفي الصوفي، لطف الله به في الدارين، وجعله في شهر رمضان المعظم سنة تسع وتسعين وسبعمئه وكان بني هذا الجامع في أيام الخليفة الآمر بأحكام الله بن المستعلي بالله في سنة تسع عشرة وخمسمئة من الهجرة النبوية".
أما عن سبب تسميته بمسجد الأقمر، يرجع إلى نوع الأحجار التي بني بها، فهي بيضاء تلمع تحت ضوء القمر ليلًا، ويقال أيضًا نسبة لصاحبه "عبدالله الأقمر"، وروى "المقريزي" أنه شُيد فوق أحد الأديرة القديمة التي كانت تسمى "بئر العظمة"، لأنها كانت تحوي رفات بعض شهداء الأقباط.
عندما تذهب إلى هناك عزيزي القاريء تمتع بجولة شيقة، ولا تنسى أن تأخذ الكثير من اللقطات الفوتوغرافية لك وللمعالم الأثرية بقاهرة المعز.