في شارع محمد فريد، عند الجهة المقابلة لفندق "هابي سيتي"، عمارة (131)، يقبع محل صغير لا تتعدى مساحته الخمسة أمتار في الطابق الأرضي، ذو واجهة قديمة محتفظة بذبذبات الوقت والأيام على شقوقها، لمحل عطارة اسمه "العطار"، يقف في منتصفه رجل ذو وجه مبتسم، ويدين ذات نشاط لا ينضب، تحارب خطوط الزمن عليها بضراوة، لديه حكايات عن المكان تجعل المستمع إليه يسافر عبر الزمن ليتخيل معه كيف كانت حكايات المكان ثرية مع أهل منطقة عابدين، ومع الملك فاروق الأول، التي يحكيها لنا عم صمويل عيد سليمان، أو أبو بيتر.
الملك فاروق والمحل
عم صمويل، صاحب محل العطارة الأقدم في منطقة عابدين أو في مصر حسب ما يقول، متذكرًا كيف انتقل هذا المحل من ملكية أبيه إلى ملكيته بحكم الوقت، كان أبيه صاحب العطارة الأول، حين كان الملك فاروق يرسل الأغا الخاص به إلى والد عم صمويل في العطارة ليأتي إليه بالأعشاب والخلطات المختلفة، ما دفع الملك فاروق إلى إهداء جائزة منه شخصيًا إلى محل العطارة الأقدم في عابدين.
يحكي عم صمويل عن علاقته بالمكان بحب شديد:
"بفتح من الساعة عشرة الصبح للساعة عشرة بليل، لو مفتحتش أنا محدش بيفتحه، ابني في كلية طب وبيدرس بره وعمره ما هييجي يوقف في المكان، انا لما بتعب ولا حاجة بقفله، آخر مرة عييت وكنت في المستشفى قفلته حوالي ٢١ يوم متفتحش نهائي وطبعا زبايني كانوا يسألوا عني ويجوني المستشفى."
الناس والعطارة
يقول عم صمويل أن المكان بنى بينه وبين الناس علاقة طيبة ودودة، ونفس الأمر سابقًا مع والده، كأن يمر أحدهم على العطارة ليسلم على عم صمويل، أو يزوره زيارة سريعة إذا كان قريبًا منه أو مارًا على الشارع في تاكسي أو باص، يقول أبو بيتر عن هذه الحالة:
بفرح قوي لما حد ينزل من التاكسي ولا الباص وينزل يسلم عليا أو حد ييجي يقولي أنا بابا الله يرحمه كان بيشتري من والدك، الكلام ده مثلًا من خمسين ستين سنة عدوا وما زال موجود، أنا ببقى مبسوط قوى، لأني مش عايزه يشتري، كفاية إنه جاي يسلم ويسأل ويمشي".
علاقة أهل عابدين بالمكان
وعن علاقة المكان بأهل المنطقة يحكي عم صمويل أنه رجل مسيحي إلا أن أغلب أصدقاءه من المسلمين، ذلك لأن منطقة عابدين منطقة إسلامية، ما جعل العلاقة تزداد طيبة وقوة بين المكان والناس من ناحية، وبين عم صامويل وأبيه مع الناس من ناحية أخرى.