التاريخ يطالعنا دائمًا على العديد من قصص الحب الأسطورية التي لم يشأ القدر أن تنتهي بنهايات سعيدة، بداية من قيس وليلى، كيلوباترا وأنطونيو، روميو وجولييت، مرورًا بالملك فاروق الأول والملكة فريدة.
وفي ذكرى ميلاد الملك فاروق الأول التي تسبق عيد الحب بثلاثة أيام نستعرض قصة حبه بالملكة فريدة، والتي التي دامت لـ11 عامًا:
في شتاء 1937م وعلى سطح الباخرة "فايسروي أوف أنديا" التى استقلها الأسرة المالكة فى رحلة إلى أوروبا، وسطرت أول سطور قصة الحب الحب تلك، لم يكن يدري أمير الصعيد وهو اللقب الذي منحه له والده أنه سيقع فى حب الفتاة الجميلة صافيناز، التي التقت به حين طلبت الملكة نازلي من والدتها أن تسمح لابنتها بأن تصاحب العائلة المالكة في رحلتها إلى سويسرا.
ومن هنا تطورت العلاقة بينهما لدرجة أنه فى أحد أمسيات شهر أغسطس من العام ذاته كان الملك فاروق بمصيفه بالإسكندرية، فتوجه بسيارته إلى سراي يوسف بك ذو الفقار، لتستقبله صافيناز وحدها دونه والدها الذي سافر إلى بورسعيد بينما كانت والدتها تقضي سهرتها مع أسرته.
وبعدما وصل إليها الملك وجد نفسه يسألها "هل تقبلين الزواج بي؟" ليأتي ردها في خجل "هذا شرف عظيم يا مولاي"، فأخذها إلى والدتيهما ليزف لهما الخبر السعيد.
هدايا الخطبة ..
أحب فاروق فريدة وهو الاسم الذي اختاره لها بعد ذلك، أغدق عليها بالكثير من الهدايا، وأهداها خاتم خطبة هو نفسه خاتم الملكة نازلي الذي قدمه الملك فؤاد لها في مثل هذه المناسبة.
وتوالت الهدايا الملكية إذ قدم لها سيارة كابروليه فى عيد ميلادها الـ16، كما قدم لها فى مناسبة أخرى مصحفًا ثمينًا يعتبر تحفة فنية نادرة، هذا بخلاف الهدايا اليومية من الزهور النادرة والفواكه حديثة الظهور والطيور والأسماك التي يصطادها بنفسه.
وعن أثمن تلك الهدايا عقد أهداها إياه عند عقد القران، وهو عقد له ثلاثة أفرع من الماس الأبيض وتنتهي الأفرع من الناحيتين بمساكتين ذات ماستين نادرتين، واستغرق صنعه في باريس عامًا كاملًا ومازال يُعرض ضمن مقتنيات معرض باريس الدولي.
زفاف أسطوري ..
وكما حظيت فرنسا بتصميم شبكة الملكة فريدة حظيت أيضًا بتصميم ثوب الزفاف، التي ارتدته خلال إتمام الزيجة في 1938م، ولأن قصة حبهما أسطورية أقيم لهما حفلًا كليلة من ألف ليلة وليلة، حيث كانت القصور الملكية خلال ليالي الاحتفال وكأنها قطع ماس.
تزينت القصور ودور الوزارات بالأنوار، فحولت الليالي إلى نهار مشرق، كما تم إنارة مجرى نهر النيل فانعكست الأنوار على مياهه، واستمرت الاحتفالات ثلاثة أيام.
وإلى أنشاص أو كما يسمية فاروق كوخ الحب الملكي، وهو قصرًا كبيرا فخمًا، ذهبا إليه العروسان لقضاء شهر العسل، حيث تفاجأت فريدة بوجود نقش على بوابة القصر الضخمة وهو الحروف الأولى من اسميهما بارزان باللغة الإنجليزية.
الطلاق ..
رُزق فاروق من فريدة بثلاث فتيات ولم يُرزق منها بمولود ذكر، ما أدى إلى توتر العلاقة بينهما بالإضافة إلى أسباب أخرى زادت من حدة خلافاتهما، وكعادة نهايات أغلب قصص الحب جاء عام 1948م ليضع الفصل الأخير في قصة حبهما، حيث جاء نجيب سالم مدير الخاصة الملكية، ليسلم الملكة فريدة ظرف به ورقة الطلاق، كما صدر بيان عن ديوان حضرة صاحب الجلالة جاء فيه "يعلن طلاق الملك فاروق والملكة فريدة، والسبب أن حكمة الله وإرادته اقتضت وقوع الانفصال بين الزوجين الكريمين".
أثار خبر الانفصال غضب عامة الشعب، فخرجت المظاهرات التي تعتبر أول مظاهرات تقوم بسبب طلاق بين زوجين، وهذا يدل على شدة حب الشعب للملكة فريدة التي كانت قريبة منهم.
رغم الانفصال ظل الملك فاروق يحب الملكة فريدة لدرجة أنه سعى لاستصدار فتوى من شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغى بتحريم الزواج على فريدة من بعده، لكن المراغى رفض الأمر لمخالفته الشريعة الإسلامية، وهذا يؤكد غيرته عليها حتى بعد الطلاق.
ويقول فاروق في مذكراته: "إذا اخترت أن أكون حاقدًا أو شريرًا، كان يمكننى أن أطلق فريدة طبقًا للطريقة الأولى في الشريعة الإسلامية، والتي تحوي قليل من الإجراءات، حيث يصبح بعدها الزوج حر للزواج من طليقته مجددًا، وامرأة أخرى أيضًا إذا أراد، فكنت أحبها للدرجة التي تجعلنى أفعل ذلك لكني لم أفعل، وتركت لها حرية الزواج من غيري إذا أرادت، كنت أتصور أنها ستأتي إليَّ بعد الطلاق لتقول لي (كانت غلطة أنت من أحب) حينها كنت سأتزوجها مجددًا، كنت أعلم أنني ليس لدي القوة لأقاوم موقف كهذا".
وما يدل على حب فريدة له أيضًا هو عدم رغبتها فى الزواج من بعده، ويذكر عن الملك فريدة أنه عند وفاة الملك فاروق أصرت على أن يُدفن في مصر كما قال في وصيته، وطلبت من الرئيس الراحل محمد أنور السادات ذلك ووافق على طلبها وحققت وصية زوجها السابق، وأقامت له جنازة في القاهرة وسارت خلفه وسمع كل من كان بالجنازة بكائها عليه، وهكذا كان هذا المشهد الأخير في قصة حبهما التي استمرت حتى بعد الانفصال.