حتى لو شاهدت هذا المشهد آلاف المرات، لابد وأنه سيلفت انتباهك في كل مرة؛ طفلة جميلة تجلس على الأرض وأمامها بضعة أكياس مناديل وفي يديها قلم وكراسة وبجوارها مجموعة من الكتب، توقفت أمام المشهد الذي داهمني أثناء مشيي عصرًا في شارع الجيش بمحافظة أسيوط، حتما هذه ليست مجرد (بائعة مناديل)، إنها قصة تجلس أمامي على الأرض أحببت أن أسمعها وأن أقصها عليكم.
سارة ذات الثمان سنوات، تدرس في الصف الثالث الابتدائي، متفوقة دراسيا، وتنتمي لأسرة متواضعة، لها أخ مريض يعاني من مشاكل في التنفس، وأختان أكبر منها، والدتها تعمل خادمة ويعيشون معا في بدروم صغير بأحد البيوت، بعد أن هجرهم والدهم، الذي تتمنى سارة عودته رغم قسوته عليهم كثيرا.
"أنا مش شحاتة زي ما بيقولوا زمايلي في المدرسة, انا من الأوائل على الفصل بس لازم أبيع المناديل علشان اكسب وأساعد أمي واخواتي ونجيب العلاج لأخويا عبد الله"، ورغم اعتزازها بنفسها إلا أن الحزن كان متمكنا من ملامحها البريئة.
"أنا مفرحتش زي زمايلي بس الحمد لله لو كان موجود مكنتش هتعلم خالص" استكملت سارة حديثها مشيرة إلى والدها الذي لم يعلم بذهابها إلى المدرسة لأنه يرفض التعليم ويري أنه لا يأتي بفائدة، وكان كل ما يطلبه من سارة أن تعود له في نهاية اليوم بنقود من بيع المناديل والتسول.
تكلمت سارة عن والدها وهي خائفة من أن يعود يوما ويرى الكتب ويبدأ بضربها هي ووالدتها وحبسها بدورة المياه كما فعل بأختها الكبرى نسمة، بعد ما قالت له أنها تريد الذهاب إلى المدرسة، واستمرت البنت تبكي وتصرخ حتى جاءت السيدة منال صاحبة المنزل التي تعمل به أم سارة وأنقذتها من يد الأب وقالت له أنها سوف تستدعي الشرطة وتتهمه بسرقة منزلها أيضا، فهرب الرجل خائفا ولم يعد لأسرته منذ عام.
ومع ذلك تحلم سارة بعودة والدها حتى يكتب اسمه على ورقة الامتحانات عندما يطلبون منها بالمدرسة امضاء "ولي الأمر" ولتجنب اسئلة زميلاتها بالمدرسة عن والدها (أبوكي عايش ولا ميت؟)، وتحلم أيضا أن تصبح مهندسة ولديها أموال كثيرة مثل السيدة "منال" التي ساعدتها في الذهاب إلى المدرسة حتى تستطيع معالجة أخيها وشراء منزل كبيربرائحة الورد بدلا من البدروم الذي تعيش فيه ولا تحب رائحته.