بقلم-سها طارق
بعد يوم عمل شاق، لم يخلو من وجوه ترتسم على ملامحها الجدية، ظلت تثرثر بأحاديث، تتسم تارة بالجمود وتارة أخرى بـ"استظراف" يدعي كسر جمود النقاشات، عدت إلى ملجأي المتمثل في حجرتي، بحثًا عن ذاتي المبعثرة طوال اليوم، لكن طاقتي المتبقية لم تُحالفني للوفاء بما كنت أتوق لفعله لنيل قليل من الاسترخاء!
عندئذ رحت اتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، بحثًا عن شيء مبهج لا يستدعي تفكير أو تركيز، ولوهلة اعتقدت أنها استجابت لرغبتي لما وقعت عيناي على عناوين ملف نشرته جريدة اليوم الجديد، "احموا الرجال من جبروت النساء-ليه مفيش مجلس قومي للرجالة؟-بنشتغل 24 ساعة ومبنقولش "اندبندت مان".
لا أنكر صدقًا أن هذه العناوين انتزعت ضحكات صادقة من قلبي، بل حفزتني لتقمص دور المرأة الحديدية للحظة، ولِمَ لا؟ فأنا وبنات جنسي مُنتصرات، قادرات على قهر الرجال ودفعهم للاستجداء بمثل هذه العناوين طلبًا للرحمة!
أطلت الطاقة بوجهها على رأسي، ودفعتني للإعتدال بجلستي لتغرس في نفسي طعنة الحقيقة قائلة: أنتِ صدقتي ولا إيه؟ مين اللي جبروت؟ ومين يحمي مين من مين؟ ده أنتم الاتنين أغلب من الغلب وبيتلعب بيكم الكورة!
وهنا لم أجد من التركيز مفرًا، فكانت السطور التالية:
لاعتبارات كثيرة يهم المجتمع المصري للتعامل مع المرأة كحلقة مستضعفة-خلافًا للحقيقة-رغم مواجهتها لذات التحديات المعيشية التي يواجها الرجل بدءًا من الركض خلف "الأتوبيسات" وتدبير نفقات المعيشة وصولًا لتحمل سخافات البشر، لكن هناك فئة ليست بقليلة حملت راية الدفاع عنها –ليس لوجه الله صدقًا على سبيل الدوام-لكنها أثارت المشكلات أكثر مما طرحت حلول عملية، تضغط على صانع القرار لمنحها الطابع الإلزامي، سواء على مستوى "النسويات" ممثلات بشكل فردي أو مؤسسي وكذلك المجلس القومي للمرأة، حيث اختزل الجميع مشكلات المرأة في تحرش وختان وأحيانًا محو أمية وزواج قاصرات، وهو ما لا اُتفه منه لكنه ليس بلُب الأزمة!
والدليل أنه رغم كل الحملات التوعوية الممتدة منذ سنوات لازالت ذات المشكلات تُطل على طاولات المفاوضات، وتُفرد لها المساحات بالصحف مع كل حادثة مثيرة قد تساهم في زيادة "الترافيك" ليس إلا، وبينما يظن الكثيرون أن "المجالس النسائية" حفزت النساء على الاستقواء، قوموا بإجراء استطلاع عملي بالنزول للشوارع المصرية واسألوا الفتيات والنساء عن عناوين هذه المجالس واعرفوا ماذا قدمت لهن؟ وكيف انتصرت حقًا لمتطلباتهن المنظور آلاف منها أمام دوائر القضاء منذ سنوات؟
متطلباتهن في توفير بيئات عمل آمنة تحول دون استغلالهن، وإقراربنود قانون العمل من حيث الأجور العادلة والتكافوء بفرص التدريب والترقي والألتزام بساعات العمل، وكذلك ضمان حقوق النساء المُعيلات، اللاتي تُشكلن 30 بالمئة من قوام المجتمع المصري وحماية الأطفال، للحيلولة دون تشريدهم بفعل أزواج وآباء يتنصلون من المسؤولية بمنتهى الغدر، ويدفعون بهم لساحات المحاكم المعروفة ببطء إجراءات تقاضيها، وبالأخير لا تقدم لهم بنوك الضمان الاجتماعي سوى 500 جنيه شهريًا كحد أقصى (27 دولارًا)!
ولا تنسوا تسألوهم كيف أعادوا للنساء في الريف والصعيد حقوقهن المهدرة لاستحقاق أنصبتهن في الميراث الذي يُحجب عنهن، في مخالفة صريحة للقوانين الوضعية والشرعية، وكيف أخذوا خطوات جادة بعيدًا عن بيانات الشجب التي يتقنون كتابتها، لتحسين صورة المرأة في وسائل الإعلام والمسلسلات الدرامية والمناهج الدراسية.
أهذه هي المجالس التي تتوقون لتمثيلكم أعزائي الرجال وتحسدوننا عليها؟ مجالس يتسابق أعضائها لإلقاء خُطب عنترية في المحافل، بينما غالبيتهم لا يعكسون شكلًا أو مضمونًا أصحاب الأزمات الحقيقية.
تقولون إننا نتشدق بعبارة "سترونج اندبندت ومان"، هذه حقيقة ولكن هذا لا يعدو سوى فعل مشروع في ظل افتقادنا الفطري الشعور بوجود "السترونج مان"، وهذا ليس اتهامًا بقدر ما هو عذرًا، لأن الرجل لن يُمارس قوته المحببة إلينا وهو يفتقد الشعور بالأمان، في ظل بيئة اجتماعية ومهنية ضاغطة تأخذ منه أضعاف ما تمنحه، تُسجنه والمرأة داخل "قفص" ابتدعته موروثات وتجارب سلبية متداولة تؤثر في القناعات والقرارات، رسخت ضرورة انتصار طرف على آخر والمتاجرة بالعلاقات تحت مسميات "مادية " مختلفة يُبرر لها كضمانات، ومن هنا تنشأ عداوة خفية يظن معها الرجال أنهم خُلقوا ليتم استغلالهم من قبل النساء، بينما تظن النساء بوجوب صد محاولات إذلالهن المستترة!
نحن كبشر لم نُخلق للعمل لمدة 24 ساعة، لكننا مضطرون لذلك لآن هناك مسؤوليات معلقة في رقابنا، رجال ونساء، كل ما في الأمر أننا كنساء أصبحنا منهكات لأننا نلعب عدة أدوار بعضها بات يُثقل كاهلنا، لكن الظروف أجبرتنا عليها، فنجد في الكلمات التي تظنوها استعلاء.. متنفسًا ليس إلا.
وإن كان هناك من يظن أن الرجال يدفعون بنا للهلاك بينما هم يرتادون المقاهي بلا مبالاة، تأكدوا أنهم ليسوا سعداء.
فما السعادة في الجلوس وحيدًا كالمبنوذ، بدلًا من التدثر بدفىء الأسرة بعدما يتسرب منه أصدقائه واحدًا تلو الآخر، لأن الملل أصابهم من شكواه المتكررة، التي كانت مادة مثيرة لنميمتهم الذكورية في ذروتها؟! أي نشوة يشعر بها رجل مُطارد بموجب حكم قضائي لتسديد نفقات أسرته حتى ولو تمكن من الإفلات لفترة؟ أي راحة تلك ينتشي بها شاب يظل الخوف حليفه من الارتباط وممارسة حقوقه الطبيعية، لأنه يخشى تكرار مآساة أسرية، عاشها أو سمع عنها، تسحق ما بناه من مجد شخصي، فيحيا أسيرًا للهواجس النفسية الممزوجة بظروف اقتصادية طاحنة، فيضحي بسهم كيوبيد الذي يمنحه أنفاس الحرية، مقابل الاستقرار داخل قفص يبدو أمن لكنه خانق!
كنساء ورجال، لا يوجد بيننا فائز ولا خاسر، هناك فقط ادعاءات بالربح والانهزام، لأناس نجحوا في المتاجرة بمشاكلنا والتسويق لنصرة طرف على حساب الآخر بينما الجميع يسددون يوميًا نفس الفواتير، جميعًا ندور في حلقة بائسة لمجتمع أجاد تعليمنا وبجدارة سبل التربص ببعضنا البعض حد "التطفيش"، لكنه أخفق تعليمنا كيفية بناء علاقات ناجحة ومتزنة، وتركنا ندق طبول حرب كلامية تجاه بعضنا البعض، حرب ينتصر فيها مؤقتًا صاحب الصوت الأعلى أو الأقدر على المكايدة بحكم امتلاكه لزمام الأمور.
أخيرًا.. ليست كل النساء ملائكة وكل الرجال شياطين، لكن بالتأكيد يوجد وسط هذه الملايين من يستحقون الحب والرحمة.. ففتشوا عنهم، وكما قالت الأغنية الشهيرة "مهما الأيام تعمل فينا مبنستغناش عن بعضينا!".
* هذا المقال لا يعبر عن وجهة نظر الموقع إنما هو رأي كاتبته