كتب-ندي عمران، هميس حسام، فاطمة أحمد، علي ربيع (نتاج ورشة تدريبية)
"دينا" هو اسم اخترناه لفتاة جامعية في العقد الثاني من عمرها، رفضت ذكر اسمها لحساسية الموضوع أو ربما لصدمتها من موقف لم تتخيل يومًا الاصطدام به.
تنتمي "دينا" إلى أسرة ميسورة الحال، وبطبيعتها تحب خوض التجارب الجديدة والإطلاع لإثراء شخصيتها خاصة وأن دراستها للإعلام تفرض عليها هذا الامر. لم يسبق للفتاة ذات البشرة السمراء استقلال "الميكروباص" وهو وسيلة التنقل الشعبية بين أقرنها بل وأفراد المجتمع عمومًا، فدائمًا ما تستخدم "التاكسي" أو سيارة خاصة في تنقلاتها.
في صباح احد الأيام قررت خوض تجربة ركوب "الميكروباص" بمفردها، نظرًا لارتفاع تكلفة التاكسي، لتتوجه من مدينة السادس من أكتوبر إلى ميدان التحرير، حيث أحد الدورات التدريبية التي تتلقاها. توجهت إلى موقف السيارات بعد استعانتها بأحد أصدقائها لمعرفة الطريق المناسب، حيث استقلت ذات الشعر المُنسدل على كتفيها "الميكروباص" المنطلقة إلى “ميدان التحرير”.
"يا عسل تعالي عندي هنا هيبقى أحسن من عندك ومش هتندمي"، لم تمنع سماعات الهاتف التي كانت تضعها الفتاة في أذنيها وهي تستمع إلى الموسيقى من وصول تلك الكلمات إلى مسامعها، من شاب جالس في سيارة تمضي إلى جوارها، وسط نظرات سخط من الركاب في السيارة التي تستقلها وكأنها هي المذنبة على حد تعبيرها.
يُذكر أن 82 % من النساء يتعرضن للتحرش في وسائل النقل العام، وأن أكثر أشكال التحرش شيوعًا هو التحرش اللفظي، حسب إحصاءٍ قام به المركز المصري لحقوق المرأة.
"حاسه إني مكسوفة وبقيت أخاف من نظرات الناس ليا"، بهذه الكلمات عبرت "دينا" التي تدرس بكلية الإعلام بإحدى الجامعات الخاصة، عن صدمتها من رد فعل الركاب داخل "الميكروباص" الذي تستقله، وأضافت "بفكر كتير في البنات اللي بتتعرض كل يوم للمواقف دي وإحساسهم بيكون إيه"، وأخيرًا تصل إلى المحطة الأخيرة وتذهب الفتاة إلى مكان دراستها وهي تحاول التماسك حتى تستطيع استكمال اليوم على حد تعبيرها، دون أن يلحظ زملائها ضيقها.
لم ينتهي الأمر عند ذلك الحد، بل كان لها نصيب أن تتعرض إلى صورة أخري من صور التحرش الذي تعانيه نسبة كبيرة من نساء مصر، فبينما كانت تنتظر السيارة التي كانت سوف تقلها إلى منزلها بعد انتهاء يومها التدريبي، تعرضت إلى تحرش بصري جعلها تشعر وكأنها عارية رغم احتشام ملبسها.
وقالت وهي تُفضفض لـ"مصر لناس": "حاسة أني خلاص كان لازم اتحجب بس اتحجب ليه ما في بنت كانت لابسه خمار وجيبة جنبي واتعاكست برده". وبسؤالها عن مدى استعدادها لخوض تجربة استقلال "الميكروباص" مرة أخري قالت "لا طبعاً أنا أصلا قعدت في الشارع لحد الساعة 6 بالليل مستنية عربية فاضية علشان أقدر أرجع بيتي في مدينة 6 أكتوبر وخايفة أقرب من الموقف لاتعرض مرة آخرى لإهانات".
وصُنفت القاهرة أخطر مدينة تعيش فيها النساء بالعالم، حسب تقرير نشرته مؤسسة "طومسون رويترز"، الا أن هذا التقرير قوبل بإنتقادات لاذعة من قبل نخبة متخصصين في مجالى الإعلام وعلم الاجتماع، حيث اعتبروه غير منصف، نظرًا لافتقاره آليات البحث الدقيق ووجود دول تواجه فيها النساء اعتداءات أشد اثر حروب ونزاعات مسلحة.