كتب: خالد عبد السلام
"ياما آه يا عيني على آه".. على أنغامها تجلى الخال عبد الرحمن الأبنودي في السيرة الهلالية في مجالس الأنس رفقة المداحين والدراويش.. بعزفها تشبه الكمان وبصوتها تمس التراث المصري الجنوبي من القناوي إلى السوهاجي وحتى العرباوي، ولفنانيها هيئة صعيدية خالصة بالجلباب والعمامة والشال.. الربابة التي هواها الحاج كامل خلف منذ نعومة أظافره ليترك بني سويف من أجل "الموالد".
بجلبابه الزيتي وعمامته البيضاء ونظارته الطبية، يمر صاحب الوجه السبعيني بحقيبته المدججة بآلات الربابة بدائية الصنع، ماسكًا بواحدة يعزف بها على أنغام أبو زيد الهلالي، قابضًا على الخوص الأبيض بيمناه التي يتزين بنسرها بخاتم ضخم مرصع بحجر كريم أخضر، وتحمل يسراه النصف الخشبي الملون بالأصفر والوردي، والحقيبة يحمّل حبلها على كتفه الأيسر.
الحاج كامل خلف، ابن سوهاج الذي قصد وجهته إلى القاهرة الكبرى قبل خمسة عقود من الزمان، لتطأ قدميه الموالد ومجالس المدح في الحسين والسيدة.. استغل شغفه بالربابة ليصبح بائعها، هذه مهنته التي يحصل منها على رزقه منذ خروجه عن عباءة والده الذي كان تاجرًا للمواشي في بني سويف ثم اصطحبه إلى "المنيب". ولم يحصل كامل على فرصة للتعليم، فأصبح "بصمجي"، لكنه يحمل موهبة فنية أغنته عن ما فاته من تعليم
الحاج كمال "درويش" الربابة يطوف بشوارع القاهرة لبيعها
"أنا درويش".. بابتسامة عريضة قالها كامل لـ"مصر الناس"، وهو يتحسس لحيته البيضاء، ملخصًا شغفه للربابة في هذا النعت، موضحًا أنه يطوف المناطق لبيعها من أجل الرزق، فوجهته الروحية الموالد، ووجهته في السعي على "أكل العيش" في كل أرجاء القاهرة والجيزة، ولفت إلى أن أغلب زبائنه من الأطفال الذين يتجمعون حوله معجبين بصوت ما يعزفه من ألحان تراثية، ولون الربابة الخشبية المنقسمة بين الأصفر والوردي، كما أن موسمه الأفضل في البيع هو الأعياد و"شم النسيم"، بخلاف الأماكن السياحية المحفوفة بالآثار الإسلامية كشارع المعز وخان الخليلي والقلعة.
للربابة أثر ثالث بخلاف الهوى والرزق لدى كامل، فهي الوسيلة التي ترفه عن ابنه الـ"درويش" المصاب بالتأخر العقلي، غير أن أحفاده الخمسة من ابنه الأكبر أصيبوا بهوس الربابة، وتعلموا العزف عليها، في إشارة لتوريث هذا الفن في عائلة الحاج كامل.