يقرع طبلته، وينادي على سكان المنطقة التي يجوبها كل باسمه والذين يستيقظون بدورهم ليس لإعداد وجبة السحور فحسب وإنما لمشاهدة "خميس مطافي"، الرجل الذي ارتبط بأحياء شرق محافظة الإسكندرية منذ 45 عامًا والاستماع للأغنيات التي يؤلفها خصيصًا لسكان المنطقة احتفالًا يشهر رمضان ومنها:
هليت يا شهر الكرم شرفت لما جيت أدي الفانوس للولد حلولا يا أهل البيت
وحلُو بعد الفطار الحلو يبقالكم حلو الكنافة أوي بسمن بقالكم
رمضان يا سيد الشهور في كل شئ طيب فواحة ريحة الجوامع بتطيب وتطيب
يا سبحه يا مسبحه الحب حب الله الحبه نازلة وطالعة تنطق تقول الله
الله أكبر يا غافل شهر الكريم جالك وكل شئ تفعله مكتوب ويبقالك
اصحى يا نايم يا نايم اصحى اصحى يانايم وحد الدايم
يعمل خميس في هذه المهنة منذ كان عمره 14 عامًا، متأثرًا بقدوته سيد مكاوي ولاحظ من حوله جمال صوته منذ الصغر، ولكن لم تتقبل عائلته ذات الجذور الصعيدية تلك الموهبة واخذت منه موقف غاضب حيث لم يقبلوا تحول ابنهم إلى "مغنواتي" كما أطلق البعض على هذه المهنة، خاصة وأن في أفراد عائلته مشايخ يتلون القرآن الكريم، لكنه أصر على موقفه رغم ما تعرض له من مصاعب لإقناع عائلته.
وساعدهُ عمله في مجال الكهرباء في المنطقة للوصول لمتعهدي الحفلات والعمل معهم في أعمال الفراشة، ثم احياء حفلات الطرب الأصيل فكان يغني لـ كارم محمود ومحرم فؤاد وعبد الحليم حافظ وأم كلثوم، واستمر بالغناء في الحفلات والأفراح حتى قضى "الدي جي" على الطرب الأصيل والأصوات الجميلة على حد تعبيره، فأكتفي الناس بالدي جي بدلًا من المطربين لغلاء المعيشة وعدم القدرة على دفع أجرة المطرب في الحفلات والمناسبات، ولكنه أستمر في مهنة المسحراتي التي كانت بدايته في مجال الغناء.
"كنت زمان بسحر أبو قير بحالها وطوسون والمعمورة، وكنت بدخل كل البيوت دي دلوقتي الناس زادت مابقيناش نعرف بعض زي الأول"، قال "مطافي" لـ"مصر الناس"، معبرًا عن الإختلاف بين شهر رمضان قديمًا وحديثًا.
وتابع: "زمان كنت بنده على كل أسم في كل بيت لكن دلوقتي فيه بيوت كثيرة جدًا وناس أكثر وشوارع جديدة، والناس بتزعل لما بنادي على أسماء محددة وده طبيعى لأن الناس زادت وما بقتش عارف كل الناس، فبقيت بصحيهم بالأغاني بدل ما أنادي عليهم".
وعن مظاهر الاختلاف قديمًا قال إن الجميع كان يذهب للنوم بعد صلاة التراويح والقيام أما الآن فالجميع مُستيقذ حتى الفجر فهو لا يشعر بأنه يقوم بدوره في إيقاظهم كما في السابق.
أما عن كلمات الأغاني الرمضانية، حكى أنه في البداية كان يقوم بنداء الأسماء والدعاء للأطفال بكل مهنة يتمنوا الوصول إليها، ثم تطور الأمر للإنشاد وكان يقتدي بالراحل سيد مكاوي في ذلك الوقت، وبمساعدة صديقه الشاعر عبد اللطيف أبو كبشة، الصديق المقرب للشاعر عبد الرحمن الأبنودي، الذي سمع "مطافي" وأثني عليه، فألفوا أغاني لاستقبال رمضان وتوديعه، وأطلقوا عليها الوداعات.
كان لسة بدري تفوتنا يا شهر يا مروح الدمع نازل من العيون يجرح
لياليك جميلة ليه ماشي وفايتنا ده فانوس شارعنا الكبير مربوط على بيتنا
والزينة والمناديل لا تكفي دمعتنا خليك يا رمضان منور بهلالك بيتنا
ولم يهدف مطافي للربح المادي من مهنتُه طوال السنوات السابقة، فهو يرى أن سعادة أهالي المنطقة هدفُه الاول والاخير، وبالرغم من تدهور حالته الصحية فهو يعاني من انخفاض كفاءة القلب إلا أنه حريص على النزول إلى الشوارع لإسعاد الناس، خاصة بعد طلب الكثير منه أن يتوقف عن الغناء.
واستعان هذا العام بسيارته الخاصة لحمل الطبلة ومكبر الصوت للانتقال بهما من مكان لآخر بدلًا من السير على الأقدام، وهو حريص على أن يُعلم أصول المهنة لغيره من الشباب والأطفال حتى لا تنقضر مهنة المسحراتي أو تصبح وسيلة للكسب بدلًا من كونها تراث رمضاني اعتادنا عليه منذ الطفولة.