على الرصيف الملاصق للبوابة التاسعة للموقف العام بمدينة دمنهور في محافظة البحيرة، يجلس "عم سعيد" في نفس المكان يوميًا منذ 30 عامًا، يلمع الأحذية ويصلح ما تلف منها.
يجلس سعيد عبد المعطى عبد الحميد، البالغ من العمر 62 عامًا، في هذا المكان يوميًا؛ ليقوم بعمله الذي امتهنه منذ الثمانينيات أبًا عن جد، تغريك ضحكته للتحدث معه، فيمكنك أن ترى ضحكة "عم سعيد" في وجوه أهل المكان ورواد الطريق يلقون عليه التحية بابتسامة دافئة.
يفخر "عم سعيد" أنه شارك في حرب أكتوبر 1973م، وكان أحد الذين عادوا بالنصر، أنهى فترة التجنيد، وفي عام 1976م قرر السفر إلى العراق، وبعد عام ونصف العام من العمل والجد عاد حاملًا ما يكفي من نقود في ذاك الوقت لشراء شقة وتجهيز محل صغير لصنع الأحذية شراكةً مع بعض أقاربه.
استمر المشروع لوقت قصير ثم اختلف الشركاء وذهب كل منهم إلى طريقه، كان حريٌ به أن يشعر بالضيق لما حدث وما فقد من أموال اجتهد في الحصول عليها، لكنه لم ييأس، أخذ إرثه (تلميع الأحذية) طريقًا لجني القوت له ولأبنائه الخمسة، كان مُجبرًا لكنه سعيد، فهو دائمًا ما يقول (هناخد إيه من الزعل غير المرض!).
مضت أعوام طويلة قضاها "عم سعيد" في تلميع الأحذية لم يسيطر عليه الملل لأن شعوره الأبوي كان هو الغالب حيث كان يقوده إلى مزيد من الصبر والتحمل حتى يمكنه تلبية احتياجات أسرته، وتعليم أبناءه الخمسة.
يشكو "عم سعيد" من مرض الضغط والسكرى، ويمكنك أن ترى آثار إهماله للعلاج ظاهرة على قدميه، لكنه يصر على أن "أهم حاجة العيال ياكلوا ويعيشوا ونسدوا اللى علينا"، ويدرك أنه ما زال عليه أن يعمل بِجِد حتى يقدر على سداد ديونه التي تحملها لتجهيز ابنتيه للزواج.
يسأل "عم سعيد" الدولة أمنية واحدة أن يحصل كل شاب على شقة، ويطلب من كل الشباب أن يبتعدوا عن إهدار صحتهم فيما لا ينفع ويبدأوا بالعمل، فمهما كان العمل بسيطًا هو في نهاية الأمر مهم، تلك هي أمنية "عم سعيد"، الرجل السعيد، الذي يؤمن في داخله أن العمل عبادة وباب للسعادة.