كتب-صموئيل أشرف
ما بين "مريم" بمعنى "محبوبة" و"مرثا" بمعنى "ربة" كانت حياتى تتشكل على مختلف المستويات، الشخصية والدراسية، بين "مريم يوسف" خالتي التي صارت بالوقت أمى، و"مرثا نجيب" التي صارت بالوقت مرشدتى.
مريم
كانت خالتى تحلم أن أكون "مهندسًا للديكور" وأهدرت حلمها باستهتار، جاءت الثانوية العامة متزامنة للحظات الإنحدار المزاجي والذهني الذي يُصيب الشباب، كانت ثقتها فى قدرتي على تجاوزها كبيرة، لكنني خيبت ظنها، كنت أغلق باب غرفتي والاسم "بذاكر" ولكننى طوال الليل كنت مخلصًا فى الإنصات لبرنامج "ع القهوة" للمذيع احمد يونس أو فى قراءة الكتب المخبأة تحت المرتبة، وكانت نتيجة الثانوية صدمة غير متوقعة شاهدتها خالتى وهى تبكي على أنقاضها معتقدة أن ابنها قد ضاع.
لم اسقط ولكنني خرجت بمجموع يُعطينى فرصة الالتحاق بنادى حملة الشهادات الرسمية حتى يتم تعليقها على حائط الصالون.
أضع نفسى الآن مكان خالتي، وأتسائل ما الذى أفعله لإنقاذ ابن بلا طموح من أى نوع ؟، بخلاف أنه يبكى طوال اليوم ولا يترك غرفته إلا للشجار فقط.
كانت خطة خالتى مختلفة للغاية، تغاضت عن فكرة الدراسة بكليات الحكومة، واختارت من كل طرق المستقبل خطة وحيدة قائمة على دفع كل ما هو متاح لديها من مدخرات ومعاش خاص للإلتحاق بكلية الأعلام في جامعة الأهرام الكندية.
كان لابد من وقفة تتغير معها حياتي، وقفة دفعتنى لأكتشاف نفسي من جديد وايقاظ قدراتي الخاملة، هكذا كانت تفكر، وكانت معركتها مع زوجها آنذاك.
قالت: لن نخسر شيئًا، دعه يتعلم حتى يقف على قدميه ولا بأس إن وقع مرة آخرى، دعه يتنقل فى المواصلات العامة، و يعاني قلة " الفلوس"، دعه يعمل طوال العام الدراسىي لمساعدتنا فى مصروفات الجامعة توجهت إلي مُشجعة .. جرب ولا تخجل.
فى السنة الأولى عملت مشرفًا لفصول تقوية للصف الإعدادي والثانوي بإحدى الكنائس بإمبابة، ومستمر بهذا حتى الآن.
وفى السنة الثالثة كانت الحاجة ملحة لتطوير مهارات قد احتاجها مستقبلًا، فإلتحقت بكورسات DW Akademie، صارحت خالتى سرًا بأننى أهتم بهذا الكورس، رفض زوجها هذا لسبب ما وكان لديه كل الحق، وقفت خالتى فى صفي وقالت كلماتها المعهودة " فلنمنحه فرصة"، سألتها قائلاً ومتى أعرف أن التجربة نجحت؟
قالت خالتى امنح نفسك فرصة آخرى إذا لم يمنحك التدريب الكتابة مفتاحًا لعالم يقدم لك طريقًا به قدرًا من الاستفادة والاستقرار فلتجعلها هوايتك قبل دراستك.
مرثا
ساعدتنى أجواء الكنيسة فى أن أقابل مرثا نجيب، أستاذتى فى مرحلة إعداد خُدام، كل مقابلاتى مع مرشدتى كانت تسألنى سؤال واحد: عندك اية ؟، يليه سؤال: هتعملها إزاى؟، أقولك أشتغل وورينى، لم أدرس الخدمة الكنسية لكننى تعلمتها وتخرجت فى كلية مرثا نجيب، كانت شخصيتها قوية وإيقاعها سريع، ورغم فارق السنوات القليل بيننا إلا أنني أتذكر لهثي وراءها لأفى بما يجب أن أقدمه، كانت مميزة فى تكسير سقف الأفكار، وسقف طموحك فيما تفكر أن تقدم، لتحصد منك أكثر مما كنت تتوقع أنت ذاتك تقديمه.
كثيرًا ما كنت أصحو على تليفونها لُتخبرنى بفكرة خطرت على بالها يمكن أن نضيفها لجدول أعمال خدمة إعدادى، أو حدث مهم تحتاج لي وأنني يجب أن أبدأ فى هذة اللحظة، تقسو عليك إن شعرت بكسلك أو عدم أهتمامك، ما تعتقده عقاب ستعرف بالوقت أنه كان درسًا خصوصيًا تتذكره فيما بعد وتشكر الظروف التي تجعلتك تعمل بالقرب من هذة السيدة. كل يوم فى حضرة هذة المرشدة هو يومًا تعليميًا روحيًا، فى لحظات النجاح أفخر بأننى كنت تلميذًا لها، وفى لحظات الكسل أو عدم الأهتمام أقول لنفسى "أكيد كنت غبى فى اليوم ده.