كتبت-زينب محسن
تمر السنوات ويكبرنا العمر وتظل السعادة تغمر قلوبنا حينما نرى الشوارع مليئة بالخيام والسراداقات متراصة بها جميع أنواع الحلوى من فولية وسمسمية ومشبك بألوانها المبهجة تعبيرًا عن فرحة المصريين بالمولد النبوي الشريف والبعض منا يقف متأملًا الحلوى، الاباء ليختاروا ما يحبونه أبنائهم، والأطفال محتارين بين اختيار العروسة أو الفارس بحصانه، لكن الأهم من كل هذا أن نعرف كيف نشأت الحلوى ومتى بدأ الاحتفال بهذه المناسبة.
بدأ الاحتفال بالمولد النبوي، عندما جاء الفاطميين إلى مصر من بلاد المغرب على يد قائدهم جوهر الصقلي، وكانوا ينتسبون إلى السيدة فاطمة الزهراء، ابنة الرسول وزوجة الإمام علي بن أبي طالب، وكانت فى هذه الفترة الاحتفالات تستمر عدة أيام تشترك فيها جميع الطوائف وتُقام لها الزينات وتخرج المواكب الدينية تطوف المدينة وعلى رأس المواكب الخلفاء.
وحاول المعز لدين الله، استمالة قلوب الناس بمظاهر الاحتفالات الدينية فاهتمت الدولة بهذا الاحتفال وتفننت فيه وحشدت له وأمدت الناس بالخيرات خاصة أن البلاد كانت فى محنة وقحط فوزعت أموال وهدايا ونفحات ومنذ ذلك الوقت أمر الخليفة بإقامة أول احتفال بالمولد النبوي عام 973 هجريًا.
جرى هذا التقليد فى عهد خلفاء المعز وأحفاده واقتدى به ملوك الدولة الإسلامية إلى أن أبطل المستعلى بالله بن أمير الجيوش الاحتفال بالموالد الأربعة؛ المولد النبوي، الإمام علي، السيدة فاطمة الزهراء، الإمام الفاطمي الحاضر، لكن ظل المسلمون يحتفلون بالمولد النبوي حتى عاد الاحتفال بشكل رسمي في عهد الامر بأحكام الله بعد إلحاح من رجال الدولة.
عروسة المولد
ترتبط عادة حلوى المولد بفلسفة حب العطاء عند المصريين، خاصة فى المناسبات الدينية، فكانوا يتصدقون بإعطاء الحلوى للمساكين في هذه المناسبة، كما أن هناك علاقة وثيقة في نظر المصريين بين ميلاد الرسول والطعم الحلو، وليس هذا فحسب بل إنهم صنعوا لتلك المناسبة عروسًا ليختلط الوقار المتمثل في هذه الذكرى العطرة بطعم السكر في الحلوى.
واختلفت الروايات والقصص حول عروسة المولد وأصل ظهورها فى مصر، منها رواية تقول إن الحاكم بأمر الله كان يحب أن تخرج إحدى زوجاته معه في يوم المولد النبوي، فظهرت في الموكب بثوب ناصع البياض وعلى رأسها تاج من الياسمين، فقام صنّاع الحلوى برسم الأميرة فى قالب الحلوى على هيئة عروس جميلة، والحاكم تم صنعه فارسًا يمتطى جوادًا.
وأمر الحاكم بأمر الله، أن تتزامن أفراح الزواج وعقد القران مع مولد النبي، ما يفسر سر العروس التي تُصنع في هذا الموسم بشكلها المزركش وألوانها الجميلة، ويهادى بها أهالي العروسين بعضهما البعض، لذا كانوا يُبدعون فى تزيينها وتلوينها والتفنن فى جعلها مٌبهرة.
ولكن تؤكد الشواهد التاريخية أن عروسة المولد مصرية خالصة حيث يرجع ظهورها بشكلها المعروف إلى العصور المصرية القديمة، بدليل العثور على نماذج مصنوعة من العاج والخشب فى مقابرهم، حتى إنه عند تجريد رأس العروسة من زينتها نجدها شبيهة بشكل الإله حتحور، ربة الحب والجمال والغناء عند أجدادنا القدماء.
وبالرغم من اختلاف الأزمنة وتبدل العصور، تظل العروسة والحصان أهم وأشهر مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وتعتبر عادة شراء العروسة الحلاوة فرض على جميع الرجال فيجب أن يهديها لزوجته أو خطيبته أو حبيبته ولكن مع ارتفاع الأسعار يتبدل تأمل الناس للحلوى لشرائها إلى شعور بالعجز والنقص لعدم قدرتهم على إسعاد من يحبون لضعف الحالة المادية، فبأي منطق تتحول علبة الحلوى من مصدر البهجة للمصريين إلى مصدر للحسرة!