كتب - "دولت زكي البسيوني"
بمجرد وقوع عيناك عليه، تجد نفسك تتحرك صوبه في محاولة للتعرف على رجل سبعيني تراه يوميًا يتحرك في وقت مبكر بين صناديق القمامة في محافظة السادس من أكتوبر بخفة ونشاط كأنه طائر يُحلق.
يحلق في عالم القمامة، "محمدعبدالعظيم محمد" الذي يرتدي العباءة بدلا من "اليونيفورم"، لتنظيف أحياء المحافظة بعد أن يستيقظ ويصلي الفجر في جماعة بأحد مساجد "مساكن عثمان" بالقرب من منزله، ليبدأ يومه في اندفاع بين الركاب والتبديل بين "ميكروباصين"حتى يصل إلى موقف "الحصري".
"عم محمد" يبدأ عمله بجوار موقف "الحصرى"
يصل مع بداية إشراق الشمس، الحى الأول المسؤول عن تنظيفه، تصاحبه أصوت "كلاكسات" العربات من حوله، "ومقشة" يضمها بإحدى يديه و"شيكارة" بالأخرى يجمع بها النفايات، حيث يتوقف كلما وجد قمامة يكنسها بانحناء ظهره الهزيل، ومن ثم يلقيها في صندوق القمامة وهو يرتكز على الرصيف المجاوربسبب قصر قامته ويديه الصغيرتين.
يعمل من السادسة صباحًا وحتى الثانية ظهرًا في نشاط دائم وهو يتصبب عرقًا، يشكر الله قبل أى كلمة يتفوه بها لسانه بصوت يملؤه الإصرار والرضا قائلًا: "الحمد لله أنا باخد 800 جنية شهريًا، وبشتغل كل أيام الأسبوع علشان ميتخصمش من مرتبي، وبحب مهنتي رغم تعبها، والراجل اللي ميشتغلش معندوش نخوة لان الشغل شرف".
"عم محمد" ينظف أحياء مدينة 6 أكتوبر
ويحكي عم محمد، لـ "مصر الناس"، واحدة من ذكرياته أدت إلى انقلاب حياته بعدها رأسًا على عقب، بنبرة تملؤها الأسى وعينان تنظران إلى القمامة وكأنها تلهمه لنطق الكلمات قائلًا: "كٌنت بشتغل بالمنيا طحان مع صديقي اللي ضحك على وأخد كل اللي حيلتي، فسيبت بلدي وأسرتي وجيت عيشت في القاهرة علشان لقمة العيش".
البعض يضايقه بألفاظ جارحة بسبب الأكياس الدهنية المنتشرة على وجهه، و"الرقبة البيضاء" التي تُحيط برقبته لمساعدته على تحمل آلام "الغضروف" الامر الذي يضطره لإرتداء عباءة يجد فيها راحته بدلًا من "اليونيفورم" اللي بيكتف حركتي، حسب تعبيره.
وأضاف: "الكسب الغير مشروع والشحاتة مفيش أسهل منهم إنما الأصعب هو الصبر والتحمل علشان كسب رضا ربنا".
وينهي حديثه بابتسامة متفائلة مُلخصًا أمنياته في أن يمن الله عليه بالصحة ويؤدي فريضة الحج يومًا ما.