يشتهر حي الأنفوشي، في مدينة الإسكندرية، بصناعة السفن، فتنتشر هناك عشرات الأكشاك المصطفة إلى جوار بعضها، منذ عشرات الأعوام، ربما تتأسف على حالها لما تعانيه من إهمال المسؤولين سواء لأصحاب تلك الأكشاك أو كبار الحرفيين الذين لا يملكون دخولًا مادية ثابتة.
من بين هؤلاء، محمد جمعة، نجار سبعيني، تحمل ملامح وجهه قسوة الزمان بينما تُشع يديه بخبرة أضفاها الزمان.
عبر محمد جمعة، محطات بتلك المهنة، وصولًا للمكان الذي يريده، ويقضي به حاليًا الباقي من عمره، بعدما صاحبته مطبات الحياة التي لم يحصد منها سوى مهارة وخبرة تمكن من توظيفها في تصنيع القطع الخشبية اليدوية ذات الأشكال المميزة بصورة تتماشى مع الحاضر والتراث القديم.
قضى "عم جمعة" قرابة الخمسين عامًا، يعمل بمهنة النجارة، بهيئة ميناء الإسكندرية، حتى تقاعده، من ثم عرض عليه أحد مالكي ورش تصنيع السفن العمل معه للاستفادة من خبراته في تصنيع القطع الخشبية.
عم جمعة يصنع أحد أعماله
قال "جمعة" لـ"مصر الناس"، إنه شعر بشيء من انعدام الأهمية، عند تقاعده على المعاش، وربما بالراحة التي لم يلتفت إليها من قبل بعد 50 عامًا من العمل والجهد والمثابرة، إلى أن استقل دكانًا صغيرًا يمارس فيه عمله الخاص بتصنيع الخشب يدويًا، فلم يكن المعاش وقيمته 500 جنيه يكفيه ويلبي احتياجات المعيشة.
وبالرغم من أنه روى عن حرفته أنها تتميز بالتفرد في منطقة الأنفوشي بالكامل، إلا أنه وصف المنطقة بأنها محدودة الرزق، حيث إن ما يحصل عليه من رزق يكفي بالكاد متطلبات العمل.
وعن إنتاجه، حكى: "بصنّع سفن خشبية، وعربات كارو، تتراوح سعر القطعة الواحدة بين 150 إلى 700 جنيه، حسب طلب الزبون".
سيارة خشبية قام بصناعتها "عم جمعة"
وتابع: "المهنة دي محدش بيشتغلها دلوقتي، وأنا واللي زيي يتعدوا على الصوابع".
وأنهى حديثه، مطالبًا المسؤولين بمحافظة الإسكندرية أن يهتموا بالحرف اليدوية على اختلاف أنواعها، والترويج لها بعدد من الإعلانات المدعمة، وتنظيم ورش لتنمية المهارات لتأهيل جيل جديد للعمل بهذه الصناعة التي شارفت على الاندثار.