الأقصر تلك المحافظة التي حملت أوجه التاريخ المصري القديم ما بين عَبَقه وسجالاته، معاركه وفنونه تجلت معالم حضارية لا يعلم أحد عنها شيئًا حتى الآن.
ومن قلب هذه المعالم يأتي معبد الطود الذي يبعد 16 كيلو مترًا عن مدينة الأقصر، ملوّحًا عن صورة قديمة أخرى لحياة الأجداد في مصر القديمة.
وقد بُني معبد الطود في عهد الاسرة الرابعة، لعبادة الإله "مونتو" إله الحرب، وهو الإله الذي عُبد في جنوب طيبة بمدينتي الطود وأرمنت، واعتمد في بناؤه على الحجر الرملي؛ لقربه من محاجر الحجر الرملي في إدفو بأسوان؛ كما استُخدم أيضًا لسهولة الحفر والكتابة عليه، ومن ثم تلوينه بحجر البازلت والجرانيت.
والطود كلمة عربية تعني الجبل الشاهق في الارتفاع، إذ توجد إلى الآن منطقة صحراوية تُسمى هضبة الطود وهي منطقة مرتفعة عن مستوى سطح المدينة.
تصميم المعبد
ويتميز مدخل المعبد الذي اكتشفه العالم الفرنسي "بيسون" عام 1963 ميلادية، بمدخل شاهق الارتفاع على هيئة صرح، في قمته مرسوم طائر كان يُسمى "نخبت" على هيئة جناحين يتوسطهما قرص الشمس، وقرص الشمس في مصر القديمة كان يرمز إلى الإله رع، والجناحين يرمزان إلى الحماية، أي أن المعبد في حماية الإله رع.
وأبواب المعبد بنفس ارتفاع المداخل وكانت معظم الأبواب في مصر القديمة مصنوعة من شجر الأرز المغطى بصفائح ذهبية، ويُذكر أن خشب الأرز كان يتم جلبه من لبنان.
وبدأ ظهور منطقة الطود على الخريطة في الدولة القديمة بحقبة الأسرة الرابعة التي تلي عصر بناة الأهرامات، وتحتضن شواهد حضارية وتاريخية لحقبات مختلفة من التاريخ الإنساني في مصر القديمة وما تلاها من عصور وحضارات.
ويعد أقدم آثر في مدينة الطود يلي معبد الطود من حيث الأهمية والقيمة التاريخية، دير القديسين الذي يعود إلى الحقبة القبطية في مصر، ثم الجامع العَمري، والذي سُمي بذلك نسبة إلى عمرو بن العاص، ويرجع تاريخه إلى عصر الفتح الإسلامي في مصر، ثم تم تجديد هذا المسجد ولم يعد أثرًا.
مفتاح الحياة
وعلى جدران وأحجار المعبد تنتشر النقوش التي كانت تُشكل عدة معاني عند الفنان المصري القديم، فعلى سبيل المثال، الصولجان كان يرمز إلى مدينة واست أي طيبة أو الأقصر الآن، مفتاح الحياة الذي كَثُرت حول مدلوله روايات الأثريين لعل أشهرها أن خريطة مصر التي يحدها من الشمال منحدر الدلتا ثم في الوسط العاصمة ثم شريط الوادي الممتد من الشمال إلى الجنوب، ترمز إلى شكل مفتاح الحياة.
بينما رسومات الخرطوش ترمز لعدة معاني بحسب شكله، فإذا كان الخرطوش فارغًا فإنه يرمز إلى العصر الروماني اليوناني، إذ أن روايات الأثريين تُرجِع سبب ذلك إلى الفنان المصري الذي كان ينقش على الأحجار، أملًا أن يتولى حاكم مصري الحكم، فكان يرجئ كتابة اسم الملك الحاكم على الخرطوش ليتركه فارغًا من دون اسم.
وخضع المعبد إلى مراحل تطوير مختلفة بدأت منذ تشييده في الأسرة الرابعة، ويتضح ذلك من خلال النقوش والرسومات المرسومة على الأحجار، والتي تشير إلى اسم بطليموس وكليوباترا ورسوم الخرطوش الفارغ التي تعود إلى العصر اليوناني.
ويُّذكر أن المعبد تعرض لإهمال مُتعمد على خلفية أفكار عقائدية متشددة إبان العصر المسيحي والإسلامي في مصر، حتى أن بعض النقوش في المعبد مُمحاة بآلة كما أن أعمدة الجامع العمري الذي بُني بعد الفتح الاسلامي بُنيت من أحجار المعبد.
وكان وزير الآثار، الدكتور خالد العناني، قد أعلن في تصريحات صحفية، في أثناء جولة تفقدية للمعبد، احتياجه لميزانية ضخمة تدعم أعمال شفط المياه الجوفية التي تُصيب بنية بناؤه وتهددها وأعمال الصيانة التي يحتاجها كونه يتعرض للاهمال، كما طالب بتسجيل قطع آثرية وجدها ملقاة على أرضية المعبد في سجلات المخازن خشية تلفها وسرقتها.
والمعبد مفتوح أمام السائحين والمهتمين، مقابل تذكرة قيمتها 10 جنيهات، يتم شرائها من معبد الأقصر، الكائن على كورنيش المحافظة ثم يمكن استقلال سيارة أجرة للوصول إليه.