ترجمة-خلود حسني
على مدار عقود طويلة لعب الأرمن في مصر دورًا هامًا في العديد من المجالات الحياتية، في رحلتهم التي بدأت إلى المحروسة مع مطلع القرن التاسع عشر، وشكلوا جالية كبيرة، وصار لهم مساهمات في تطوير الاقتصاد والثقافة والعلوم في مصر، حتى أصبحوا جزءا لا يتجزأ من النسيج المصري.
في أسبوع الاحتفال بالجاليات الأجنبية ضمن مبادرة وزارة الهجرة، للاحتفاء بالجاليات التي عاشت وما زالت تعيش على أرض الكنانة، تحكي فتاة ولدت في أرمينيا وعاشت في مصر قصتها، منذ أن كانت طفلة حتى تخرجت في كلية الهندسة وأصبحت مصرية النشأة والهوى.
نايري هامبيكان، إحدى الفتيات المصريات أرمنية المولد، عاشت في مصر، كغيرها من الجاليات، ولدت باعتبارها من الجيل الثالث من الأرمن المصريين، لأسرة نجا أجدادها من الإبادة الجماعية للأرمن في الإمبراطورية العثمانية.
ومثل أختها «أنياس» وبنات وأولاد آخرين من مجتمعها التحقت نايري بمدرسة نوباريان الأرمنية في مصر الجديدة، قبل أن تنتقل إلى جمعية الصليب الأحمر.
تتذكر أيامها عندما كان يأخذها والدها إلى محيط المتحف المصري، كجزء من الأنشطة الثقافية الكثيرة التي تحب أن تراها قائلة:
«عندما كان يأخذني والدي إلى محيط المتحف المصري، كجزء من الأنشطة الثقافية الكثيرة التي أحب أن يراها، فإنه لم يقرأ من أي من الأدلة العديدة المكتوبة باللغة العربية أو الإنجليزية أو الفرنسية، ولكن بدلًا من ذلك يقرأ من قطع جمعها مؤرخ أرمني في كتاب صغير حول هذا الموضوع».
ظلت نايري التي كان الجميع يخطئ في اسمها، 14 عامًا من عمرها أكثر ميلًا إلى موطنها الأرمني، حتى أنها ذات مرة انتظرت أمام بوابات كلية رمسيس للبنات في غمرة بالقاهرة، لتستمع إلى نداء المعلمة عليها، لاستقلال حافلة المدرسة، للذهاب إلى منزل والديها في مصر الجديدة، لكن اسمها لم يُنادى، وقالت:
«لقد اعتقدت أنهم لم يتذكروني، لذلك ذهبت إلى المعلمة للاستفسار، وأخبرتني أنها قالت اسمي ثم قالت: أنتِ نايرا هاراس كاركار، يمكنك استقلال الحافلة».
منذ هذه اللحظة التي اكتشفت نايري أنهم ينادونها بالخطأ، عاشت هامبيكان منعزلة في المجتمع المصري الأرمني بمصر الجديدة.
تابعت دراستها حتى التحقت بقسم الهندسة المعمارية في جامعة عين شمس بالقاهرة في أوائل السبعينيات، وقررت أنها لن تقبل أي تعليقات تشير إلى أنها «أقل مصرية» من غيرها عن أقرانها ممن هم في نفس سنها في الجامعة، بسبب أصولها الأرمنية، وقالت:
«لقد خرجت من العزلة، وفكرت أنني لم أكن فقط من الجيل الثالث من المصريين الأرمنيين، ولكن أيضًا الجيل الثالث من القاهريين»
وفي ظل إرادتها لإثبات أنها ليست أقل مصرية من المحيطين بها، فقررت استكشاف مصر مع أصدقائها، في سيارة بباين ذات مقعد صغير، ذهبت إلى المواقع التاريخية في أنحاء البلاد.
بعد أن تخرجت «نايري» في جامعة عين شمس، كانت مستعدة لدراسة الجزء الأرمني، فذهبت إلى العاصمة الأرمينية يريفان، لدراسة الماجستير في أوائل الثمانينيات؛ عندما كانت أرمينيا لا تزال جزءًا من الكيان السوفيتي السابق.
لما يقرب من 3 سنوات، عاشت هامبيكان حياتها الأرمنية بالكامل، هي لم تكن محاطة بأرمنين في شوارع العاصمة فحسب، بل كانت مساكن الجامعة ممتلئة بالأرمن من الشتات الذين قدموا إلى يريفان من جميع أنحاء العالم.
ومع ذلك، بالرغم من أنها شعرت بالأرمينية للغاية خلال هذه السنوات، لم تتخل عن هويتها المصرية الأخرى، فقالت ضاحكة:
«عندما قررت أن أصنع طبقًا وطنيًا في يريفان، كان من الواضح أنه ملوخية».
وبالعودة إلى مصر، مع شهادة في الهندسة المعمارية الأرمينية، كانت «هامبيكيان» تنظر إلى رفقائها من المصريين الأرمن باعتبارهم «أرمن أقل»..
«اعتقدت أنهم ليسوا أرمنيين بما فيه الكفاية».
ثم بدأت حياتها المهنية كمهندسة معمارية وترميم وصيانة تعمل مع البعثات الأجنبية الرائدة، ثم اختارت بعد ذلك الأفضل بعمل دراسات عليا في التاريخ والهندسة المعمارية الإسلامية.
وبعد مرور سنوات من عملها في وظيفة ترميم في القاهرة الإسلامية في أوائل التسعينيات، كانت تعمل في ذلك الوقت على جميع أنواع مشاريع الترميم، الفرعونية والقبطية والإسلامية وبالطبع الأرمن، مع المشرفين والمرشدين الإيطاليين والألمانيين والمصريين، قبل الحصول على درجة الدكتوراه في علم الآثار من جامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة، وقالت «هامبيكيان»:
«عندما كنت أملأ استمارتي للذهاب إلى جامعة كاليفورنيا، فكرت في أن أحصل على درجة الدكتوراه في الهندسة المعمارية، ولكن في النهاية كان ذلك في علم الآثار، وأصبحت عالما أثريًا كمهندس معماري، تمامًا كما لو كنت أرمنيًا ومصريًا في نفس الوقت».
وباعتبارها مصرية أرمينية ومهندسًا معماريًا، كانت «هامبيكيان» تشعر بالأسى لرؤية هدم مدرسة كالوسيان الأرمنية القديمة، والتي تم إرسال طلابها إلى مدرسة في مصر الجديدة تعرف الآن بمدرسة كالوسيان-نوباريان الأرمنية، وقالت: «إنها لم تكن فقط مجرد قطعة من العمارة الأرمينية التي فقدت، بل كانت خسارة لقطعة من عمارة القاهرة، التي استخدمت كمدرسة للبنين والبنات الذين كانوا من المصريين الأرمن».
وأضافت متنهدة:«هذه ليست الخسارة الوحيدة التي أندم عليها في مثلث ماسبيرو، ومع ذلك، كان من الممكن الحفاظ على هذه المباني، وكان يمكن أن يكون هناك تطور حولها»، مشيرة إلى التطور الذي يحدث في المنطقة المحيطة بماسبيرو في وسط القاهرة.
ولتجنب المزيد من الخسائر، تعمل «هامبيكيان» الآن على توثيق الممتلكات التي تملكها البطريركية الأرمينية المطلة على شارع رمسيس في منطقة وسط المدينة، وقالت: «لقد ساعدت في استعادة هذا المبنى، وأنا أقوم حاليًا بالأعمال الورقية لإضافة هذا المبنى، الذي تم طرحه عام 1920، إلى قائمة الآثار المسجلة».
وتعتقد «هامبيكيان» بقوة أنه يجب الحفاظ على تراث البلاد، قائلة:
«الملكية لا تهم، فحقوق الملكية ينبغي ألا تعطي الحق في تدمير التراث».
وعلقت قائلة كمصرية أرمينية، كانت تعمل للحفاظ على التراث المعماري المصري وتوثيقه لأكثر من ربع قرن، إن التراث يخص الأمة والناس جميعها.
لينك القصة الأصلية: https://bit.ly/2DBNqUG