سيدة في أوائل الأربعينات ذات ملامح أوروبية، مثل ريفيات كُثر يتسمن بالجمال، تسافر ثلاثة أيام في الأسبوع من مدينتها كفر الدوار إلى الإسكندرية، بحثًا عن مصدر رزق لها من أجل توفير نفقات المعيشة التي تتكالب على عاتقها، ذلك من خلال بيع المنتجات الفلاحي مثل السمن البلدي والبيض ومنتجات الألبان والجبن القريش، التي تلقى رواجًا من المواطنين لاطمئنانهم إلى جودتها.
حرصت «أم عبد الرحمن» اسم مستعار بناء على رغبتها، على تعليم وتربية أبنائها الثلاثة، فقد رزقها الله بولدين وبنت، خاصة بعد انفصالها عن زوجها إثر خلافات نشبت بينهما بسبب حرصها على تعليم أولادها وخاصة نجلها الأكبر، وعدم قبولها زواج ابنتها البالغة من العمر 16 عامًا آنذاك، فهي لم ترغب بتكرار مأساتها بزواجها في سن مبكرة ما حرمها استكمال تعليمها.
«عايزاهم يتعلموا عشان يبقى معاهم سلاح للأيام يقدروا بشتغلوا ويصرفوا على نفسهم، ويكونوا قد المسؤولية»، بهذه الكلمات بدأت «أم عبد الرحمن» سرد حكايتها لـ«مصر الناس»، متابعة أن المرأة الريفية تمكنت من الخروج للعمل ومواجهة تحديات الظروف الإجتماعية والعادات والتقاليد مقارنة بالسنوات الماضية، فلا توجد سيدة ريفية لا تعمل سواء في المنزل أو في الغيطان أو في الخارج سواء في الشركات أو المؤسسات، على حد قولها.
وقالت إنه بالرغم من تغير الصورة النمطية للمرأة الريفية عن الماضي، إلا أنه مازال هناك بعض القيود الاجتماعية التي تلزم المرأة بقبول أوضاع لا ترغبها مثل الزواج المبكر أو التسرب من التعليم، للعمل في بعض الأعمال الزراعية في الحقول لمساعدة أسرتها بالإضافة إلى تربية المواشي.
وأضافت: "في بداية العمل رفض إخواتي الرجالة سفري من محافظة إلى أخرى خاصة وأنا أعول 3 أولاد، وعندنا بيعتبروها إهانة للعائلات الكبيرة لما الست تخرج تشتغل، لكن بعد الطلاق عملوا جلسة عرفية وجوزي خصص لي مصروف 500 جنيه شهريًا وخزين للبيت، ودول ما يكفوش مصاريف المدارس والتعليم والدروس الخصوصية واللبس وعلاج ابني الصغير من حساسية في الصدر".
وأوضحت أنها بدأت عملها بمساعدة فلاحات أخريات من الجيران، من خلال شراء إنتاجهم المنزلي من السمن البلدي ومنتجات الألبان والبيض البلدي بسعر مناسب، وبدأت بجمع هذا الإنتاج قبل سفرها ليلًا لتخرج في الفجر بعد الاتفاق مع سيارة نقل لنقلها إلى الإسكندرية مع سيدات يعملن في نفس المجال، لتعود بنهاية اليوم لبلدتها مرة أخرى.
ولكن ما زالت التحديات مستمرة ليس بسبب فصل الشتاء والأمطار الغزيرة فحسب التي تحول دون عرض منتجاتها في مكان جاف، بل أيضًا بسبب شرطة إشغال الطريق التي تمثل لها عبء، خوفًا من مصادرة مصدر رزقها الوحيد.
«سعات بيسبوني ألم الحاجة بس بيطلبوا مني أمشي من المكان وما أجيش هنا تاني، وعشان كده اخترت مكان على السكة الحديد في فيكتوريا أبيع فيه منتجاتي وبقي ليا زبايني اللي عارفني وعارفين الأيام اللي بروح فيها»، قالت «أم عبد الرحمن».
وبالرغم من رغبة ابنها الأكبر ترك العمل بعد تخرجه في كلية التجارة، إلا أنها تحرص على العمل من أجل استكمال مسيرة تعليم باقي أبنائها، معقبة: «محدش عارف الظروف وهو مرتبه يدوب يكفيه، وأكيد عايز يتجوز وهو أولى بالفلوس دي، أما إخواته أنا هفضل أشتغل لحد ما أكمل رسالتي معاهم».
واختتمت حديثها، متمنية أن يصبح لها محلًا أو كشكًا لبيع هذه المنتجات؛ لحمايتها من الشتاء وتوفير فرصة عمل لفلاحات أخريات من خلال عرض منتجاتهن بشكل آمن، وتبدأ هي الأخرى في إنتاج ما تبيعه بدلًا من جمعه فقط بسبب انشغالها بالسفر الذي يرهقها كثيرًا.