كتبت-دولت البسيوني
تراها بمكتب إحدى سكنات الطالبات بمدينة السادس من أكتوبر، على وجهها ابتسامة ترحب بكل من يتردد عليها، فبرغم صغر سنها الذي لم يتعد الـ20 عامًا تجدها المشرفة عليهن، أحبتها الفتيات في مدة قصيرة من توليها هذه المهنة، فاستطاعت فاطمة محمد عبد القوي، بطيبتها أن تدخل قلب كل من تتعرف عليه، مؤديةً دورها كأخت لكل طالبة مغتربة، وليست كمشرفة تنفذ الأوامر بغير رحمة.
"أنا اللي بصرف على نفسي من شغلي وبعد خطبتي هدفي أكمل جهازي"، بعينين تتحدى الحياة بدأت فاطمة حديثها لـ"مصر الناس"، تعمل الشابة الصغيرة من السابعة صباحًا حتى السادسة مساءً في حركة دائمة لتلبية طلبات من هن في مثل عمرها، على كاهليها مسؤولية الطالبات، بمرتب قيمته 1500 جنيه تتقاضاه شهريًا.
"دمرتني أمية أمي فتنازلت عني دون علمها وأنا بنت 8 شهور!".. موضحة كلماتها بحسرة شديدة على والدتها التي طلبت الطلاق من والدها عامل البنزينة بسبب سبه وضربه لها كل يوم، فوافق شريطة أن تتنازل عن كامل حقوقها، حتى ابنتها، "بصمت" على الورقة ولم تفق من هذا الكابوس إلا وهى مُلقاة في الشارع بعد أخذ الصغيرة غصبًا عنها، حكت لي جدتي عن "إصابتي بالجفاف الحاد بعد هذا اليوم المشؤوم وحجزي بالمستشفى نتيجة إهمال والدي لي، وبعد خروجي تركني عند أهله في عزبة النخل وتزوج ونسى أن لديه روح تحمل اسمه.
تتذكر العشرينية بترف يُضحكك ويملأ قلبك بالحزن في آن واحد، بعض العنف الذي تلقته بمنزل جدها وهي صغيرة، "عدوانية من وأنا صغيرة علشان شفت قسوة كتير"، مشيرة إلى عمتها، معلمة الرياضيات، التي تضربها بالأقلام على وجهها، وتشد شعرها على كل صغيرة تفعلها قبل الكبيرة.
"رُب صدفة خير من ألف ميعاد"، قالت فاطمة بدهشة: "رأيت والدتي للمرة الأولي منذ ولادتي في العاشرة من عمري"، حيث سافرت برفقة جدتها التي تمتلك أرضًا زراعية بالفيوم، وتقابلت مع أمها الفيومية بجانب زوجها، فجرت عليها وحضنتها وهي تصرخ وتبكي بآن واحد بعدما لمحتها وظلت تصرخ بأذنها "أنا ماما يا بطة".
صدمتها وتشتتها أمام السيدتين في تلك اللحظة متوجهة بالنظر إلى جدتها، جعلتها تتوجه بالسؤال إلى جدتها: "هي ماما إزاي أومال أنتي مين يا ماما؟".
تتحمل الفتاة مسؤولية بيت بأكمله منذ بلوغها سن الـ13 عامًا بعد وفاة جدتها وزواج عمتها، لم يبق سوى جدها الستيني الذي تعيش معه.
بعد عودتها من المدرسة تذهب للتسوق، فبحسب قولها: "أطبخ وأكنس وأمسح كأني متجوزة وعندي أطفال في الآخر مكنتش بلاقي حتى كلمة شكر".
حكت فاطمة عن تجربتها كفرد أمن بمحطة المترو في عزبة النخل بنفور، قائلة: "بعد تخرجي من الدبلوم، بحثت عن عمل ووجدت هذه الوظيفة، ولكن سرعان ما تركتها بعد استمراري فيها لمدة 4 أشهر بسبب مضايقات وبعض التحرش اللفظي الذي تعرضت له، وإذا استنجدت بالمشرفين والنظار يأتون باللوم عليَّ، فالكثيرين عندما يعرفون ظروفي، أجد في عينيهم الشفقة وأنا أكره أن يعاملني أحد بهذه الطريقة".
تطمح أن تمتلك مطعمًا للمأكولات البحرية، فهي تُجيد طهى الكثير من الطعام، ولكن الآن ليس لديها رأس مال كافي، معبرةً بإصرار عن عدم توقفها عن العمل بعد زواجها لاقتناعها بأن الحياة مشاركة بين الطرفين.