ضمن حملة «احكي حكايتها»

أسماء باسل تكتب: لماذا يلجأن النساء إلى التشهير الإلكتروني


أسماء باسل

رغم صعوبة فعل التشهير كخيار يأتي بعد محاولات عديدة من البحث عن مخرج آمن يضمن عدم التعرض لمخاطر متوقعة بعد كل حادث اعتداء أو تحرش أو ضرب أو اغتصاب أو ضغط أو غيرها من أشكال العنف ضد النساء، والتي تجعلهن ضحايا "مُغريات" للمعتدين أثناء وقوع الحادث، وضحايا "مُذنبات" في عين المجتمع بعد وقوع الحادث، لينتهي الأمر إلى صور متسلسلة من التنازلات غير الإرادية، والتي تكونت بفعل الخوف، والوصم، وغياب القانون، وعدم الوعي، واستباحة النساء، ثُم ترهيبهن وتهديدهن إذا فكرن في البحث عن طرق قانونية يثبتن بها تعرضهن للعنف الجسدي/النفسي.

وفي غالب الأمر، فإن القوانين المختصة بقضايا العنف ضد النساء في مصر هي قوانين حديثة التطبيق، ووُلِدَت من رحِم المطالبات التي أعقبت حوادث اعتداء، أو محاولات وعي جديدة أرادت أن يحل القانون المدني محل العقوبات العُرفية التي كانت تصدر من شيخ الحارة، أو الجيران، أو العمدة، أو المارة، ليصبح هؤلاء الآن أيادي تحاول إبعاد المتحرش أو المعتدي عن دائرة الواقعة، كأنه ضحية وقع عليه ظلمًا، ولابد من تخليصه وإنصافه!

إذًا لا قوانين صارمة تخلِق لدى النساء رغبة للجوء إليها كـ حل أول، ولا قوانين عرفية عادلة، ولا شارع يضمن أمان النساء في المجال العام، ولا منزل آمن يمنع وقوع عنف عليهن؛ ولا الحق في مساحات وقرارات شخصية بحتة، ولا ضمانات تحمي النساء من الوصم والترهيب والتراجع إذا قررن اللجوء إلى طرق عملية يُفترَض فيها العدل كالمحاكم، والتي تبدأ بسلسلة من الضغوط حتى لا يتم تحرير محضر تحرش.

مرورًا بمرحلة سابقة في الشارع أشبه بالحرب إذا صممت الشاكية إلى اقتياد وتسليم المتحرش إلى القسم، لتواجه محاولات عتيدة من مارة في الشارع يحاولون تهريب المتحرش، هؤلاء المارة لا يتدخلون إلا في اللحظة التي تقرر فيها النساء أخذ رد فعل!

ربما هذه بعض من أسباب كثيرة أخرى لا تجعل النساء لديهن استعداد لمقاومة كل هذه العقوبات لكي يحصلن على حقهن بالقانون، ويضطررن للجوء إلى الإعلام أو السوشيال ميديا أو أفلام التوثيق، سواء بالكشف عن هُويتهن أو حجبها، لتسجيل ما يحدث لهن من وقائع اعتداء بأقل خسائر، وهذا يعطي زخم للقراءات وأرشيف الاعتداءات ولكن لا ينصف النساء قانونيًا وتظل الحكايات ينقصها شق التحقق والتصديق على الوقائع لحفظها حقوقيًا وتاريخيًا، ولكن كيف ذلك في ظل كل العقبات التي تشوب هذا المسلك!

طريق السوشيال ميديا أسهل وأسرع من القوانين والمحاكم، برغم عدم إمكانية التأكد من صدق جميع القصص الواردة فيه، إلا أنه طريقة فعالة في خلق ضغط عام حول القضايا المتعلقة بفضح المتحرشين والمعتدين، خاصة أنه يضمن عدم كشف هُوية المشكو فيه بطريقة لا تجعله يقدم بلاغًا بالتشهير به عبر وسائل السوشيال ميديا ولكن التلميحات تساعد الرأي العام على كشفه والتعرف عليه، وهذا غالبًا ما تقصده الشاكيات لأنهن لا يُردن أي مقابل لشكواهن إلا أن يعرف الرأي العام من هم هؤلاء المسكوت عنهم، الذين يتغنون بحقوق النساء، ثم يعتدين عليهن من وراء حجاب الفيسبوك وتويتر!

وحملت الحملة العالمية الأخيرة #Me_Too الكثير من محاولات فضح الأشخاص المتحرشين ذوي الشهرة في مصر، وكيف كانت بوستات "الفيسبوك" و"تويتر" صادمة لكثير ممن يعرف هؤلاء الأشخاص الذين تمت الإشارة إليهم بشكل مجازي في منشورات الحملة التي كانت تكتبها فتيات ونساء تعرضن لمحاولات تحرش واعتداء كان من الصعب إثباتها قانونيًا، لأن القانون لا يعترف بتفسير النساء لرسالة إلكترونية عَبر الشات تحمل تأويلات تحرش، ولأن النساء في مصر تختار دائمًا الاختيارات الآمنة التي تضمن درجة أعلى من السكون والسكوت في وجه رياح مجتمع لا يرحم مَنْ تقرر أن تتحدث، مما جعل هؤلاء المتشدقين المعتدين وغيرهم يضمنون أن النساء يخترن دائمًا السكوت على أحداث الاعتداء خوفًا من الوصم، وهذا ما جعلهم يتحرشون باطمئنان؛ إلى أن جاءت الرياح بمنشورات تفضح وتكشف وجههم القبيح إلى الأبد.


الكاتب

أسماء باسل> أسماء باسل

شارك برأيك