كتبت-زينب محسن
من منا لم تأتِ عليه لحظة ويشتاق إلى رؤية الأصالة في شيء بسيط غير مكلف؟ أو تأتي في خواطره أفكار لمشروعات صغيرة لكن ما يرجعه عنها التحديات التي ستواجهه؟ كم صناعة من الصناعات اليدوية العريقة اندثرت بسبب تدهور أحوال البلاد؟
صناعة السجاد والكليم يدويًا، تلك الصناعة الحاضرة الغائبة الطبقية المهمشة، التي اشتهرت بها محافظة أسيوط منذ قديم الزمان ولم تكتفِ بالوقوف عند مرحله معينة بل تطورت ووصل إنتاجها لعدة بلاد، وكانت أحد أسباب رواج السياحة الداخلية والخارجية لكن واجهتها كثير من التحديات منها قلة الخبرة، في ظل وجود الصناعات المعتمدة على الآلات الصناعية.
وفي هذا الإطار استطلع «مصر الناس» الآراء حول السجاد اليدوي، والتحديات التي تواجها صناعته:
قالت «وفاء»، ربة منزل، إن السجاد والكليم صناعات تحتاج إلى خبرة عالية ودقة حتى تجذب من يرغب في شراؤها كما أنها تتميز بالطابع الشرقي الذي يفضله كل منا وعلى الرغم أن الآلات الحديثة تمثل تحديًا كبيرًا عليها إلا أنها تظل محتفظة بعراقتها.
وتتفق معها الطالبة الجامعية «مريم»، موضحة أن أجمل شيء في السجاد اليدوي أنه من واقع البيئة فنحن نستخدم خامات متوفرة في بيئتنا بسهولة كالصوف والحرير والخيوط البسيطة والقوية ما يعطي لهذه الصناعات متانة وأصالة تجعلها تعيش سنوات دون أن تهلك وهذا ما يميزه أيضًا عن السجاد الجاهز الذي سريعًا ما يتلف.
«حاجة زمان رجعت موضة من جديد».. هذا ما قالته «أماني»، مهندسة ديكور، في بداية حديثها عن الفترة الحالية، التي يطغى عليها كلمة الموضة في الأزياء والديكورات والأشياء التي تتميز بالبساطة وتعطي رونقًا للمكان.
وتابعت: «إذا عودنا بالتفكير للخلف فلا يوجد بيتًا من بيوت أجدادنا إلا ونجد فيه السجاد والكليم مُغطى به الأرضيات ومزينة به الجدران لبساطته وشكله الأنيق ما يعطي مساحة أوسع للمنزل عكس هذه الأيام التي تواكب ظهور السجاد المكلف كثير التطريز، لذلك يجب علينا أن نعود من جديد نشجع تلك الصناعات وبذلك ندعم أصحاب الخبرة بابتكار أشكال جديدة ومميزة ومناسبة لديكور المنزل».
ومن جانبها، قالت «شيماء» إحدى الفتيات المتدربات بجمعية الفتاة العصرية، إن صناعة السجاد والكليم تحتاج خامات بسيطة مثل إبرة اللحاف وخيوط الصوف الملونة وعدد من الأنوال ومن يستوعبها بشكل جيد بإمكانه الابتكار بها وعمل مشروع منها.
وهو ما اختلفت عليه معها «إيمان» إحدى المتدربات بالجمعية، قائلة إنه بالرغم من بساطة هذه الأشياء إلا أننا في زمن التكنولوجيا والابتكارات وكل منا يتجه نحو الحداثة، وهو ما يطغى على تلك الصناعات ويجعلها تندثر.
وتوافقها الرأي الطالبة الجامعية «سماح»، التي قالت إن جزءًا كبيرًا من تدهور أحوال البلاد والسياحة كان السبب في اندثار هذه الصناعات بل وانقراضها تمامًا لأن السياح هم أكثر من ينجذبون إليها ويفضلون الأشياء الأثرية مثل قطع السجاد والكليم الصغيرة أما الآن فلا أحد يفكر في النظر إليها خصوصًا لأنها مكلفة.
بينما قالت «نادية» إحدى العاملات بهذا المجال، إنه على الرغم من أن هذه الصناعات بسيطة إلا أنها تحتاج وقتًا طويلَا، فالسجادة متر في متر تستغرق 3 أيام إذا عمل بها شخصان وكلما زاد حجم السجادة زادت الحاجة للوقت وللعمالة.
وعن أصعب ما في صناعة السجاد اليدوي، أوضحت: «من الأشياء الصعبة أن أي غلطة في غرزة معينة يجعلنا نفكك باقي الغرز حتى نصل للخطأ لذلك يحتاج إلى دقة ومهارة عالية»، مشيرة إلى انتشار هذه الصناعات في قرى بعينها داخل أسيوط مثل قرية بني عدي والنخيلة ودرنكة.
وفي ذلك، قال محمد علي شتات، رئيس مجلس إدارة جمعية تنمية المجتمع ببني عدي، إن هذه الصناعات الشرقية الأصيلة تقابل تحديًا أمام السجاد الجاهز لكننا إذا نظرنا بإيجابية نجد أن صناع السجاد اليدوي يستطيعون تنفيذ رغبة الشخص الذي يريد شكل أو نقشة معينة كما يتيح حرية اختيار الألوان التي تناسب ديكور الشخص، معقبًا: «إذا سادت تلك النظرة سيكون لدينا ثروة قومية».
وتابع: «لأن جمعيتنا في قرية فهي أكثر حاجة للتدريب، لذلك نقوم بتقديم ورش عمل بقدر المستطاع بخامات بسيطة لتعليم السيدة الريفية شيئًا تبدأ منه مشروع يساعد باقي السيدات في تزيين بيوتهن بأبسط التكاليف ويساعد صاحبة المشروع في مسايرة المعيشة».
وعند سؤالها، قالت يسرية العمدة، رئيس مجلس إدارة جمعية الفتاة العصرية بأسيوط، إن صناعة السجاد اليدوي من الصناعات العريقة التي تشتهر بها المحافظة ضمن صناعات أخرى مثل التلي والخيامية والإكسسوار.
وأضافت: «نحن في هذه الجمعية ندعم تلك الصناعات بأبسط الخامات من خلال إقامة دورات تدريبية كل فتره يشترك بها عدد من الفتيات، ولدينا مدربة لكل نوع من الصناعات، وتكون الدورات بأجر رمزي حتى نساعد الفتيات أو ربات البيوت على عمل مشروع من منزلها ودون تكلفة باهظة».
وعن مراحل التدريب، أوضحت: «نبدأ بتعليمهن كيفية اختيار التصميم وتعريفهن على أنواع الأدوات واستخداماتها بداية من الأنوال والغرز المناسبة لكل رسمة حتى إخراج المنتج النهائي».
وبحديثه عن تحديات المهنة، قال رشاد سعد أحمد، معلم أول كليم وسجاد بمدرسة أسيوط الصناعية الزخرفية بنين، إنه من المشكلات التي تواجه الصناعات اليدوية بشكل عام عدم تشجيع المجتمع عليها، لذلك لا يقبل على تعلمها الطلاب، وذلك بسبب قدم الخامات المتواجدة في المدارس أيضًا، بداية من الأنوال والخيوط إلى أجهزة النسج والاستخراج.
وأشار إلى عدم الاهتمام بالمعلم في هذا المجال وتقديم تدريبات كافية له وبالتالي حتى إذا كانت لديه خبرة فينساها بمرور الوقت لذلك نكتفي بتعريف الطلاب على أشكال وأنواع الأنوال وممارسة البدائيات فقط من الصناعة.
وأوضح أنه يمكن إحداث تطويرًا في هذا المجال من خلال إدخال أنواع حديثة من الأنوال واستخدام ألوان طبيعية بدلًا من الصناعية مثل الشاي والكركدية، ما يعطي شكلًا جذابًا.
على الرغم من تنافس التكنولوجيا مع الصناعات الحرفية إلا أنها ما زالت تنفرد بخصوصيتها عن الآلات وتظل ذات رونق متميز بالأصالة والعراقة والصبغة الشرقية، لذلك علينا أن نحيى تراث بلادنا مرة أخرى.