أستاذ الضحك وعملاق الكوميديا البسيطة ومؤسس مدرستها في الفن المصري، قدم «المهندس» كل أعماله دون إدعاء، وتنوع في تقديم المسرح والسينما والتليفزيون والإذاعة، فأستحق لقب «الأستاذ» عن جدارة، فمن منا لم يعشق في طفولته «فوازير عمو فؤاد»، وشخصية «شنبو» و«سيد أفندي» و«مسترأكس»، وغيرها من أعمال تناولت فن الكوميديا الهادف غير المبتذل والمصطنع.
ولد الفنان فؤاد المهندس بمنطقة العباسية في السادس من شهر سبتمبر عام 1924، في بيت أشبه بقلعة من قلاع الحفاظ على اللغة العربية، فوالده الدكتور زكي المهندس العلامة اللغوي الكبير، وعميد كلية دار العلوم، والذي يرجع له الفضل الأول في تنمية موهبة الفنية ويُذكر أنه أخذ عنه خفة الدم وحضور البديهة.
ذكرياته مع نجيب الريحاني.. قال له «روح في داهية»
لم يكن الطريق ممهدًا أمام طالب كلية التجارة الذي رسب عامين قبل التخرج؛ نتيجة لانشغاله بفريق المسرح بالكلية، ولا يربطة بالعمل الفني سوي أخته الكبرى صفية المهندس الإذاعية الشهيرة في ذالك الوقت، ولعلها ساعدته بتدخل من القدر بعدما لبى نجيب الريحاني دعوتها هي والإذاعي محمد شعبان «بابا شارو» على حضور حفل زفافهم، والذي جسد فيه المهندس مشهد حقيقيًا شبيه بمشهدهُ في فيلم عائلة زيزي وبدلًا من أن يصرخ بالإفيه الشهير «قمااااش طلعت قماش»، فصرخ من فرحته برؤية «الريحاني» وقفز ليعرفه بنفسه فهو بالنسبة له المثل الأعلى له.
وظل ملازم له طوال الفرح وتعامل معه «الريحاني» في بداية الأمر كأحد المعجبين بفنه، ولكنه لم يتركه حتى صرخ في وجهة: «يا بني غور في داهية»، وفي النهاية استجاب لطلبه وعلمه المسرح حتى أصبح فنان مسرحي عظيم، ولكن لم يمهله القدر ليعرض دوره في المسرحية التي أسندها لها الريحاني قبل وفاته.
محمود يا حبيبي.. بداية المشوار
وبعد وفاة الريحاني بدء مع مجموعة فنانين أصبحوا نجومًا للكوميديا فيما بعد، تأسيس فرقة «ساعة لقلبك» عام 1953، وكان هو واحداً منهم، وأصبحت شخصية «محمود» الزوج الطيب للزوجة المناكفة على كل لسان فى مصر، ولكنه ظل يحلم بالأدوار الدرامية الكبيرة وظل يطرق كل الأبواب، وتنوعت مواهب المهندس وبالرغم من تعدد أعماله إلا إنه كان يعشق المسرح بشكل خاص، فكانت بداية انطلاقته وشهرته.
المسرح ومدرسة جديدة من الكوميديا
في بداية الستينيات قدم برنامج «وراء الستار» مع الفنانة سناء جميل، فزادت شهرته بين الناس، ولعل الفرصة الحقيقية للانطلاق جاءت بعد انضمامه إلى مسارح التليفزيون حيث تبناه الفنان سيد بدير وتحمس له، و إشترى مسرحية «السكرتير الفني» الذي استعد لبطولتها مع الفنانة شويكار، وقدم من خلالها كوميديا تحول فيها الضحك إلى الحدث الاجتماعي، وهو ما لعبه ببراعة في مسرحيات عديدة منها «أنا وهو وهى ،أنا فين و إنتى فين ، أنا و هو وسموة ، سيدتي الجميلة ،حواء الساعة 12 ، سك على بناتك وهاله حبيبتي وغيرها».
وأنتقل إلى السينما حيث قدم الكثير من الأعمال المختلفة منها «الشموع السوداء ونهر الحب وأخطر رجل في العالم، وأرض النفاق، ونهر الحب، مستر أكس وغيرهم الكثير».
وأبدع «سيد أفندي» ونجح في كسر تابوه النقد الإذاعي، من خلال تقديمه شخصية سيد أفندي بأسلوب بسيط وساخر في برنامج «كلمتين وبس» وتناول فيه مشكلات المجتمع المصري وعمل على حلها من خلال شخصيات ساخرة.
كما أنه ترك كما كبيرًا من الأغاني في أفلامه ومسرحياته، أشهرهم الأغنية الرقيقة البديعة «رايح أجيب الديب من ديله»، وتميز في التليفزيون بتقديم أعمال تليفزيونية أشهرها فوازيرعمو فؤاد في شهر رمضان والتي لاقت نجاحًا كبيرًا.
إنسان خجول .. وزواج على خشبة المسرح
كانت الزيجة الأولى في حياة المهندس من السيدة عفت سرور نجيب، والتي أنجب منها ولديهما الوحيدين أحمد ومحمد، وتم الإنفصال بطريقة ودية، ولم يمانع أن يبقي الأطفال مع والدتهم لتربيتهم لإنشغاله بمستقبله الفني.
بينما كانت زيجته الثانية التي أستمرت 20 عامًا من حب عمرة وشريكة عمله الفني، الفنانة شويكار وقالت شويكار عن زواجها من المهندس «بالرغم من تألقه على خشبة المسرح وجرأته، إلا أنه كان إنسانا خجولًا جدا لدرجة أنه طلب يدي ونحن على خشبة المسرح في مسرحية أنا وهو وهي بسبب خجله مني أمام أعين الجمهور الذي لم يدرك وقتها أن هذا ليس جزءاً من الحوار، وأنا أيضا كنت أحبه في صمت وخجلت أن أفصح له بذلك ولا أعرف كيف أظهر له ذلك، وفي أثناء عرض المسرحية فوجئت به يقول لي على الملأ وأمام الجمهور تتجوزيني يا بسكوتة فقلت له علي الفور يلا وماله».
أخطر رجل في العالم «أب حنون»
لم تنجب شويكار من «المهندس»، ولكنها تعلقت بأولاده من زوجته الأولى، محمد وأحمد، وتعلق هو بأبنتها الوحيدة منه الله وكان أب رائع للأطفال الثلاثة، وبالرغم من تعلقه الشديد وعشقه لشخصية «مستر إكس» و «أخطر رجل في العالم» إلا أنه كان طيب القلب وحنون، وقال عنه أولاده: «كانت دمعته قريبة أوي» فكان يضربهم لتقويم تربيتهم، ولكنه يبكي بعد ذلك ويضحكهم بقوة، ولما لا فهو أستاذ الكوميديا.
الكعب العالي والغرام الفيدرالي.
«كل ما تلقى الكعب العالي يحصل بينكم غرام فيدرالي شرقي غربي جنوبي شمالي، بتجنني بتجنني لما تحب، ياخدك مني نعل كريب أو جوز بني ماشي يدب»، و «ياختي عليها وعلى رقتها خلعت قلبي بيابانيتها يا حلاوتها يا جزمتها طوكيو دي ربنا يعمر بيتها»، لم تكن مجرد كلمات في أغنية أستعراضية في فيلم للمهندس وحسب، فعرف عنه حبه الشديد للكعب العالى.
وقال أحد أبناءه في حديث عن والده إنه كان يحب ارتداء السيدات الكعب العالي، ويرى أنه رمز للأنوثة والجمال فالمرأة يجب أن تهتم بقدمها، ومن الطريف أنه كان يقتني بعض الأحذية النسائية ويحتفظ بها لإعجابه بالكعب العالي.
سرير الخديوي.. وسبب الوفاة
ورغم مرضه وتراجع صحته، لكنه كان ملتزمًا بكل أعماله، وكانت تأتيه طاقة كبيرة، ويتحامل على مرضه للنزول وإتمام تصوير أعماله، حتى وفاته في سبتمبر 2006 عن عمر ناهز 82 عامًا من العطاء الفني، وكثرت الاقاويل في وفاته سواء بسبب حزنه على رفيق عمره الفنان عبد المنعم مدبولي أو حزنه على وفاة ابنته الروحية «فوزية» الفنانة سناء يونس، أو ربما بسبب انهيار جزء من سقف منزله.
ولعل أكثر ما تردد حول سبب وفاته هو حزنه الشديد على حريق غرفة مقتنياته التي ضمت مجموعة من أعماله وذكرياته الفنية، بالإضافة إلى تحف وانتيكات خاصة به، ومن أبرزها سرير الخديوي إسماعيل الذي قام بشرائه من مزاد وتعلق به كثيرًا، ورغم وفاته إلا أن أعماله التي أضحكتنا جميعًا ظلت تدرس كنموذج للكوميديا الجميلة البسيطة.