عند سماعك لكلمة "الكشك"، يتبادر إلى ذهنك للوهلة الأولى، تلك المساحة الخشبية المخصصة لبيع الحلويات والمناديل والمشروبات المختلفة، لكن في بورسعيد وتحديدًا في حي الشرق تغير مفهوم "الكشك" منذ 2014 على يد الشاب محمود لبلب عند ملاحظته كقارئ، وجود صعوبة في العثور على الكتاب الذي يرغب في الاطلاع عليه لقلة المكتبات في الأقاليم، التي وإن توافرت تكون كتب "مزورة " ما كان يضطره للسفر إلى القاهرة لشراء ما يريد من الكتب.
فكر محمود في إنشاء المكتبة للتيسير على القراء في محافظته وإيمانًا بأهمية الدور الثقافي في تغيير المجتمع، ومع أول خطوات التنفيذ واجهته المشكلة الرئيسية التي طالما يتعرض لها أي مشروع ناشيء وهي قلة الموارد المالية خاصة مع ارتفاع القيمة الإيجارية للمحلات بمحافظة بورسعيد، ومن هنا ظهرت فكرة الكشك.
قال محمود لبلب، لـ"مصر الناس": "فكرت ليه محل.. وليه مش كشك؟ ليه منغيرش مفهوم راسخ عند أغلبنا بنظرته للأكشاك وبكده أكون اتحايلت على الواقع الاقتصادي بتقليل تكاليف المشروع وبدأت أول خطواتي العملية في تغير ثقافة المجتمع"، وبدأت رحلة مكتبة الكشك مع أول أيام عملها في الخامس عشر من مايو 2015.
وأضاف محمود، أن اختياره للمجال الثقافي دون غيره من المجالات يرجع إلى إيمانه أن التغيير الحقيقي مصدره المعرفة والإطلاع، متابعًا أن الحل في مواجهة قلة الوعي يبدأ من نشر الثقافة، وقرر أن يقوم بهذا الدور بداية بشكل مبسط بدعوة المقربين للقراءة حتى اكتملت فكرة الكشك وواصل القيام بهذا الدور بشكل مهني احترافي.
أولى خطوات المشروع كانت اختيار موقع الكشك الخطوة الأولى والتي تم فيها إختيار مكان له بعد تاريخي لمحافظة بورسعيد، ولهذا اختار موقع يعود لبداية تأسيسها وهو (حديقة فريال) التي كانت مكان لإقامة الاحتفال العالمي بافتتاح قناة السويس في عصر الخديو إسماعيل.
ومن بعد اختيار الموقع جاء دور التصميم، وهي المرحلة التي قال عنها: "اهتميت في تصميم الكشك إني أغير مفهوم الأكشاك المنتشر والسعي إني أصمم قطعة فنية تليق بالمناخ المحيط بالمنطقة من تراث معماري عريق لمدينة اتأثرت بثقافات مختلفة".
بالإضافة إلى التصميم المميز يتبنى الكشك مفهوم (صداقة البيئة) من خلال مراعاة استخدام مواد وخامات مُعاد استخدامها.
يرى محمود مؤسس المشروع أن أحد أهم التحديات التي تواجه الكشك هو قلة العائد المادي من العمل في المجال الثقافي، خاصة مع إنتشار الكتب المزورة، وقلة وعي القراء بتدميرها للحركة الأدبية في مصر، لكن بالاجتهاد والتحليل والدراسة تمكن بفضل منخطي التحدي والتوسع وفتح منافذ جديدة سمحت بتعدد مصادر الدخل التي أدت بدورها إلى تضاعف الأرباح التي سمحت بالتوسع والإنتشار، ومع زيادة قاعدة العملاء كان من الضروري الاهتمام بتوفير مساحة أكبر لعرض الكتب وممارسة الأنشطة الفنية لتنمية قاعدة القراء والعملاء للمكتبة، وخاصة لإقامة الفعاليات الثقافية بعد المعاناة التي كانت تقابل المشروع عند إقامة أي فعالية في الأماكن المؤهلة والتي كانت مكلفة ماديًا.
وعن أكثر لحظة تسعده أثناء عمله، ذكر: "قليل على السعادة لحظة.. فخلينا نعتبرها لحظات.. بحس بالسعادة لما بنكتسب قارىء جديد، بحس بالسعادة مع كل كلمة إشادة بتتكتب على صفحاتنا على مواقع التواصل الإجتماعي أو بسمعها مباشرًة، بحس بالسعادة لما بلمس التغير في سلوك القارئ بعد كل زيارة، بحس بالسعادة مع كل خطوة جديدة باخدها بإتجاه زيادة المعرفة مع كل أمر توريد لكتاب جديد.. وكل ورشة فنية بنقدمها، بحس بالسعادة لما بشوف متدربي الورش الفنية في نهاية ورشهم وهما بقوا في أول خطواتهم الفنية".
تتنوع الأنشطة داخل المكان بداية من توفير مساحة للعمل الحر والقراءة، وتنظيم وإقامة الورش الفنية والموسيقية لتعليم الرسم والعزف الموسيقي لمختلف الآلآت، وصولًا لتنظيم وإقامة حفلات الإطلاق والنقاش والتوقيع لمختلف الكتب والكتاب.
وحول أكثر ما يميز المكان، أوضح محمود:"من الصعب أن أنا تحديدًا أقيم الكشك، لكن أعتقد ببساطة إننا في الكشك كفريق عمل مؤمنين جدًا بدورنا واللي بنقدمه، ده بخلاف إننا قراء في الأساس، بنمارس عملنا من خلال هوايتنا".
يحمل الكشك شعار "من حيث تبدأ رحلتك" ويعود ذلك لإيمان مؤسسه بأن الحياة هي رحلة تؤرخ لوجودنا، بها محطات تختلف بحسب اهتمامتنا وهواياتنا سعيًا مننا لزيادة نصيبنا من المعرفة في الدراسة والعمل وممارسة هوايتنا، وعن ذلك قال:"شوفت إن الكشك ممكن يكون محطة للإنطلاق بإتجاه رحلتنا، ولأننا مع كل كتاب بنقرأه بنبدأ في رحلة جديدة!".
وعلى المستوى الرسمي تم تتويج مجهودات الكشك ومؤسسه محمود لبلب من خلال تكريمه في مؤتمر الإسماعيلية للشباب من رئيس الجمهورية عن أفضل مشروع ثقافي، وفي معرض القاهرة للكتاب في دورته الـ49 في مسابقة المبادرات الثقافية، وتمت دعوته للحضور كممثل ثقافي في منتدى شباب العالم في نسخته الأولى، والدعوة كضيف متحدث في منتدى القيادات الشبابية في نسخته الأولى.
في نهاية لقاؤنا معه يؤكد محمود لبلب على أنه يحلم بانتشار الثقافة وعدم التسليم بالمتداول والبحث دائما وراء الحقيقة الوحيدة وهي المعرفة، أما فيما يخص مشروعه، يحلم بانتشار الكشك في مختلف الأقاليم المفتقدة للنشاط الثقافي ليشهد بها التغيير المعرفي والثقافي الذي حدث في بورسعيد.