كتبت-زينب محسن
بالرغم من أن ميدان المجذوب في أسيوط يمتلئ بالمواقع والمنشآت الأثرية، إلا أن أكثر الاستفهامات تدور حول القنطرة الكائنة به وتحمل نفس اسمه وماهيتها، أخرابة هي أم موقع مملوكًا للدولة وغير مُستغل أم موقف للسيارات وبعض الباعة الجائلين، أم أنها تحمل في أركانها سرًا آخر؟
تمتد مساحة قنطرة المجذوب الأثرية إلى 30 مترًا جنوب شرق جامع المجذوب، الذي يعود إلى عصر محمد علي باشا، الذي أعاد بناءها في 1835م-1251هـ.
تتكون القنطرة من ثلاث عيون نصف دائرية، جسمها من الداخل بُني من الطوب الأحمر وغُلف من الخارج بالحجر الجيري المنحوت.
المنشآت في ميدان المجذوب بصفه عامة تنقسم إلى اجتماعية مثل "الحمامات"، وتجارية مثل "الوكايل"، ودينية مثل المساجد، أما القنطرة تٌصنف تحت المنشآت المائية، لكونها كانت تستخدم للري الحوضي، الذي عُرف منذ العصور الوسطى واستمر مع الفتوحات الإسلامية إلى أن تم الاستغناء عنه بعد بناء السد العالي.
بُنيت قنطرة المجذوب، فوق أخرى أقدم منها ترجع للعصر المملوكي، لكنها تأخذ نفس الشكل القديم، وبتخيل عدم وجود مساكن في محيطها، يمكن تصور مجرى المياه بها قديمًا، حيث كانت تأتى المياه من الجنوب إلى الشمال وتتجمع مع النيل في المنيا وبني سويف، وفى آخر كل قنطرة يوجد حائط؛ لسد المياه.
جدير الإشارة إلى أن القناطر لم تكن موجودة قديمًا لكن صُممت بعد جفاء المياه عن الأراضي.
وفي بداية الاحتلال البريطاني لمصر في عهد محمد علي، اكتشفت الإنجليز أحجار من الرخام الأسود داخل القنطرة، فتركوا إمضاء على كل حجر كدليل على أنهم أصحاب الاكتشاف.
وعن جسم القنطرة من الخارج، فهو يبدوا في هيئة عيون، بين كل عين وأخرى مجموعة رموز عبارة عن حيوان بعنقه سلسلة تربط بينه وبين شجرة، وهو ما يوجد له تفسيران، الأول يفيد بأنه قديمًا كان يصمم رمز أو ختم، لكل شخص أقام منشأة، ويُطبع عليه ليشير إلى صاحبه بالإضافة الى لوحة التأسيس، أما الآخر يؤكد أن هذا الحيوان الخرافي يرمز إلى النيل، والسلسلة ترمز إلى القناطر، أي تصوير لتدفق المياه حتى يعم الخير الذي عبروا عنه بشجرة عرفت منذ الحضارة الساسانية بشجرة "الثرو".
استخدم أهالي حي غرب أسيوط، قنطرة المجذوب الأثرية، لسنوات طويلة، كمخزن لحفظ أغراضهم، و"جراج" للسيارات الخردة، إلى أن أصدر وزير الآثار في 2013، قرارًا بترميمها، لإدراجها مرة أخرى على قائمة أهم وأكبر المزارات السياحية بالمحافظة، ووضع كل ما يتم اكتشافه بها مع لوحة التأسيس وبعض الصور التي تظهر المراحل التي مرت بها.
ومنذ ذلك الوقت بدأت الزيارات تتوالى عليها أسبوعيًا من طلاب المدارس ومراكز الأنشطة، وتٌقام بها حفلات وأمسيات باستمرار خاصة خلال شهر رمضان، من جهات ثقافية مختلفة، منها قصر الثقافة في أسيوط، الذي أقام فيها معرضًا لمدة 18 يومًا، خلال العام الماضي.
وأخيرًا، وفي ظل التقدم التكنولوجي الذي يمر به العالم، ويميز دول عدة، ربما ليس لمصر النصيب الأكبر منه بينها، لكنها تظل الدولة الوحيدة التي تنفرد باحتوائها على آثار ومواقع تاريخية لا مثيل لها في العالم، وكل ما اكتشف منها على مدار 7000 عام حتى الآن، لا يمكن وصفه سوى بالقليل، نظرًا أن هناك المزيد والمزيد لم يُكتشف بعد.